حمّاد السالمي
* أن تكون عالماً وسطي الفكر وطني الهوية، أو مفكراً وكاتباً من أصحاب المواقف المبدئية في وطنك ومجتمعك؛ فأنت بالضرورة خصم لدود لكل (صحونجي) يدور في فلك المنفرين من دين الله، المكفرين كل من عداهم، حتى وإن شهد الشهادتين، وصلّى وصام وزكى وحج بيت الله العتيق.
* هذا ما حدث من قبل ويحدث من بعد. مع كل حادثة إرهابية تتعرض لها بلادنا وتهدد أمننا وحياتنا، تكر سبحة (التشويه والتكريه والتحريض)، الذي برع فيها (الصحاينة) ومن تصاحن معهم من المفتونين بخطابهم التخويني السامج. إنّ ما هو أسوأ من السوء نفسه؛ أن يتكتل هؤلاء القوم؛ بهدف ذر الرماد في العيون، وصرف أنظار الناس عن المشهد الواقعي إلى متخيل لا يصدقه عقل. عشرات ومئات الشباب السعوديين الذين التحقوا بالقاعدة ثم بداعش، نعرف ويعرف (الصحاينة) أنفسهم؛ أنهم ينطلقون من فتاوى فضائية، وكتب منشورة وخلافها، ومن قصص مختلقة بثها ويبثها من شارك ويشارك في بعض المخيمات الدعوية، ومن له حضور في المنتديات والملتقيات، ومن بشر الناس بالخلافة، ومن حلل دماء رجال الأمن والأقارب والخروج على الحكام، ثم هاهم يقولون للناس اليوم؛ بأنّ من غرر بشبابنا ودفعهم إلى مستنقعات الإرهاب؛ هي قنوات الأفلام والرقص والغناء، والصحف ووسائل الإعلام، وكُتّاب الرأي والفكر من العلمانيين والليبراليين..! فهل قامت القاعدة وداعش على أنغام الموسيقى والأفلام وأعمدة الكُتّاب في الصحف..؟! وهل رفع القتلة فيها رايات العلمانية والليبرالية يا أهل العقول..؟!
* هذا هو دأب الحزبيين من (الصحاينة) في كل وقت وحين. جرّ الناس إلى قضايا خلافية، ورفعها إلى محاور أساسية للمنافرة والمحافرة، وشخصنة المسائل العامة، حتى لا يبقى من هدف أمام هذه التكتلات الشاذة، إلا (سين) أو (صاد) من الناس، لتُحجب محاسنه، وتُسفر مساوئه، وتُشوه صورته، وتُزوَّر سيرته، ويتعرض لحملات تكريه وتحريض منظمة ومبرمجة، في حرب سافرة لا هوادة فيها، وكأنّ بينه وبين (المشوهين المكرِّهين المحرِّضين)؛ ثارات قديمة من أيام داحس والغبراء:
إن يعلموا الخير يخفوه.. وإن علموا
شراً أذيع، وإن يعلموا كذبوا
* قادة وعلماء، وساسة وفقهاء، ومفكرون وكُتَّاب.. إلى آخر القائمة، تعرضوا ويتعرضون منذ انطلاق (الصحوة غير المباركة)؛ لحملات تشويه وتكريه وتحريض معروفة أهدافها، ومعروف من يقف وراءها، حتى لو تخفى الجبناء بأسماء مستعارة، وتستر الرقعاء برموز وهمية، أو من زاد وقاحة، فكشف عن نفسه، وجاهر بالسوء. ولو كانت الأهداف نبيلة، والوسائل مشروعة، لظهر خصوم شرفاء، وبرزت قضايا موضوعية، يتفق عليها الناس ويختلفون، لا بأس في ذلك، فهذه هي سنّة الله في خلقه: (ولا يزالون مختلفين)، و(لذلك خلقهم)، ولكن الأهواء تقود أصحابها إلى مستنقعات من الفساد العقلي والخلقي، حتى لا يميزون وقتها بين ما هو حق وما هو باطل. ما هو خير وما هو شر، فيأخذون في أكل لحوم البشر، وفي التعريض بأعراضهم، والتشويه لأشخاصهم، ناسين أو متناسين، أنّ هذا ليس هو خُلق الإسلام، ولا هو من مبادئه، بل كله مما جاء النهي عنه، والتحذير منه.
* لم يسلم عالم وسطي وطني، ولا كاتب رأي غيور على وطنه ومجتمعه، من سهام المغرضين، وحملات المشوشين، وعبث العابثين، فهاهي حشود الأعراب الخارجة من غبار الصحارى، لا تجد في وسائل التواصل الاجتماعي، وقنوات الإعلام الحديث، ما يربطها بالعالم ومعارفه وثقافاته، إلا إشباع نهمها في الإساءة إلى أعيان وأشخاص؛ لمجرد الاختلاف معهم، فهي تنطلق من منطلقات ذاتية بحتة، وتكشف عن أحقاد وأحساد تملأ صدور الخصوم الملثمين وراءها:
لا يكذب المرء إلا من مهانته
أو عادة سوء، أو من قلة الأدب
* إنهم يوغلون في الخصومة، ويشخصون الخلاف، فيمحون حسنات المختلف معه، وينشرون سيئاته إن كانت له سيئات، أو يعمدون لخلق معايب، واختلاق سيئات، للتشفي منه:
قَلّ الثقات.. فما أدري بمن أثق
لم يبق في الناس إلا الزور والمَلَق
* إنّ للحقيقة لوناً واحداً، وللكذب ألف لون ولون، وهذا الغثاء الذي يلجأ إليه (المعاتيه) في حملاتهم التكريهية والتحريضية، ضد كل من يحارب الإرهاب ويقف في وجه مفتيه وداعميه والمدافعين عن أدواته؛ عمل خؤون بيِّن الكذب، واضح الزُّور، جليّ البهتان، بعيد عن الحقيقة، ولو أنّ فيه ذرة صدق واحدة، لما تقلّب وتلون أصحابه، ولما تخفَّى آخرون بأسماء مستعارة، وتستروا وراء حجب من التهويمات والبذاءات؛ التي لا تصدر عن عاقل:
الصدق في أقوالنا.. أقوى لنا
والكذب في أفعالنا.. أفعى لنا
* إنّ قدر الوطنيين الأحرار؛ من علماء لا عملاء، ورجال أمن، وأصحاب رأي وفكر، أن يُرموا بالحجارة، مثلهم مثل الأشجار المثمرة، التي تمنح الظل والثمر، وتنحني تواضعاً لا ضعفاً، بثقل ما تحمل من خير للناس كافة، لكنها تستعصي دائماً على الرماة الأشرار، من الحاقدين والحاسدين. ويكفي هؤلاء الكبار عزة وشرفاً، أنهم أنظف من المشوهين، وأكبر من المُكرِّهين، وأشرف من المُحرِّضين:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
فلم يضرها.. وأعيى قرنه الوعل
* ولكل من تأذّى من حزب (الصحاينة)؛ بدسيسة أو عريضة أو غيبة ونميمة؛ فقط.. لأنه ينقد حالة إرهابية داهمة، تشكل خطراً على أمننا واستقرارنا، وتعكر صفو حياتنا.. أقول:
لا يضر البحر أمسى زاخراً
أن رمى فيه غلام بحجر