د. جاسر الحربش
أستطيع أن أفهم قيام حرب قومية بين الفرس والعرب، ولكن أعتقد أن الحكومة الإيرانية على وشك الإفلاس وسوف تتكفّل شعوبها بالقضاء عليها، بسبب الفقر والقهر والتفرقة العنصرية، وما علينا سوى أن نُشجع هذه التحركات داخل إيران للانعتاق من ظلم الحكومة الإيرانية العنصرية. ما أتمناه هو تفادي قيام حرب مذهبية بين السنّة والشيعة. من المؤكد أن الأغلبية العاقلة من المسلمين لا تتمنى الحرب بين المذاهب الإسلامية. العقلاء يعرفون أن حرباً مذهبية بوسائل مشتريات السلاح الغربية الحديثة سوف تستعر على أراضٍ إسلامية وسوف تنتهي بفاجعة كبرى لكل الأطراف المتقاتلة، حتى لو ادّعى أحدها الفوز. سوف يكون الرابحون الحقيقيون هم الذين خططوا لهذه الحرب من أصحاب الديانات الأخرى، فهم يسيطرون على اقتصاديات المسلمين منذ مئات السنين، ويبيعون لهم ما تقادَم من أسلحة، ويتقاسمون أدوار الدس والتحريض بين الشعوب والحكومات الإسلامية.
المؤسف أن العقلاء المدركين لعواقب الأمور في العالم الإسلامي ليس لهم الدور الذي يستحقونه، والحمد لله أن رجال الحكم والسياسة أو بعضهم يفضّلون البقاء في صفوف العقلاء، رغم أن القارعين طبول الحروب المذهبية يتصدّرون المشهد، ويتلاعبون بعواطف الجماهير باسم الجهاد المقدس، ولكل مذهب دعاته ومحرضوه، ومن هنا ترعرعت وتقوت الحركات الإرهابية. أصبح الذين يتأبطون طبول الحرب عند الشيعة والسنّة هم من يسمون أنفسهم المرجعيات والملالي عند أولئك أو دعاة الصحوة عند هؤلاء، وكلهم دعاة حروب مذهبية.
إن أكثر أو كل من يسمون أنفسهم مرجعيات /ملالي/ دعاة لا يستحقون أكثر من وصف وعاظ، وليس وعاظ دفع للسيئة بالتي هي أحسن، بل وعاظ تكسُّب ومتاجرة بالمذاهب حتى لو أدى ذلك إلى التفاني الإسلامي المتبادل. على من يُسمّي نفسه داعية أو ملا، لكي يعرف قدر نفسه أن يتعرّف على المعنى المستبطن للدعوة إلى الله في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (33 - 34) سورة فصلت.
اتفق أكثر المفسّرين على أن المعني بالقول الأحسن في الدعاء إلى الله مقروناً بالعمل الصالح، هو خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد سواه.. ونقل عن قتادة شرحه في تفسير هذه الآية: هذا عبد صَدَّقَ قَولَهُ عَمَلُهُ ومَولِجَهُ مَخرَجُهُ وسِرَّهُ عَلانِيَتُهُ وشَاهِدَهُ مَغِيبُهُ، وإن المنافق عبد خالف قَولَهُ عَمَلُهُ ومَولِجَهُ مَخرَجُهُ وسِرَّهُ عَلانِيَتُهُ وشَاهِدَهُ مَغِيبُهُ.
علينا أن نبحث عن من تنطبق عليهم هذه الصفات بين الملالي والدعاة إلى المذاهب.
الملاحظ منذ الحرب الأفغانية الأولى تكاثر من يسمون أنفسهم دعاة /ملالي/ مرجعيات، فهل تنطبق ولو على قلة منهم الشروط المنقولة عن قتادة؟
الذي استقر في الوعي المحلي هو وجود هيئة رسمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس للدعوة وإنما للأمر والنهي بتخويل رسمي، لأن من أسسها يعرف أن الدعوة إلى الله يجب أن تُوجه لغير المسلم مشروطةً باقترانها بالعمل الصالح.
في التكملة القادمة، سوف أناقش معكم نتائج التسيُّب الدعوي الاجتماعية والسياسية - إن شاء الله -.