هاني سالم مسهور
في يوم واحد يُعلن التحالف العربي عن اعتراض سفينة محمّلة بأسلحة إيرانية في طريقها إلى الحوثيين، وكذلك تُعلن مملكة البحرين الكشف عن مخبأ يحتوي على طن ونصف الطن من المواد شديدة الانفجار، هذا في يوم واحد، وبعد يوم واحد من تصريحات الرئيس الإيراني روحاني في نيويورك عن الديمقراطية التي يجب أن تسود المنطقة ليحصل الاستقرار والأمن، نحن هنا لسنا أمام مشاهد متوالية من الدراما التي تقدمها إيران والتي اعتدنا عليها، بل نحن أمام مشاهد مضغوطة تؤكد أن إيران لن تتخلى عن مشروعها الثوري الذي لا يمكن له أن يعيش دون تمادٍ في بثّ المشاكل لجيرانه، لأن النظام الإيراني منذ 1979م يدرك أنه لا يستطيع الوجود بغير تصدير الأزمات لمن حوله من الدول.
الملف النووي الإيراني انتهى بقبول طهران بكل شروط الغرب، وأن ذلك الغرب لم يراعِ شروط العرب الذين يشعرون أكثر من غيرهم أن النظام الإيراني، وهو يرسل شحناته المتوالية من أيدولوجيته الثورية المغلّفة بالطائفية الإرهابية التي لم تكد تتوقف يوماً منذ أن أسقط شاه إيران، وما حوادث الحج المتكررة ببعيدة عن نمطية لا تكاد تتوقف حتى تعاود حضورها البشع تهديداً لحجاج بيت الله الحرام في أطهر بقاع الأرض.
التعبئة الإيرانية المستمرة، ومحاولة إلهاء الشعب الإيراني هما عامل من أهم العوامل الأساسية في الحركة لنظام إيران داخلياً، وهذا هو نهج ومسار واضح في سلوك السياسة لنظام الملالي، حالة الارتباط الوثيق بين الأيدولوجية والسياسة هي محور أصيل في عقيدته الوجودية، هذا التأصيل يمكننا من خلاله أن نتفهم عدم إمكانية أن يكف النظام الإيراني عن العبث ببثّ مزيد من الفوضى، فالتعايش وحتى الاستقرار والصداقة وحسن الجوار ليست من أيدولوجياته ومعتقداته.
كل هذا يقودنا لنتفهم أنه سيكون علينا أن نتعاطى مع الخلايا النائمة في الخليج واليمن تحديداً، بشكل أكثر وعياً من خلال ملاحقة أمنية تسترعي الحس الوطني في دول الخليج العربية بإشعار المواطن الخليجي بأن عليه أن يتحلى باليقظة الدائمة لمطاردة الخلايا النائمة، هذه الحالة من الوعي وإن كانت تستدعي مزيداً من العمل التوعوي، إلا أنها ستكون درعاً حصيناً لحماية مقدرات الخليج والأمة العربية التي وهي تشعر بهذا الضعف ما زالت هناك فيها قوى من الخير تقودها القيادة السياسية السعودية لحماية أمنها القومي.
إن «تغيير أولويات الثورة» والتي تتصدر حقيقة كامل المرحلة السياسية بعد أن توصلت إيران للاتفاق النووي مع الغرب هو المبدأ الذي يجب مراعاته والانتباه إليه، وهذه الجملة جاءت من أحد قيادات الحرس الثوري الإيراني الجنرال حميد رضا مؤخراً، ليؤكد أن الشعارات الإيرانية تجاه معاداة الغرب ووصف الولايات المتحدة بـ (الشيطان الأكبر) هي مجرد مرحلة من المراحل حصدت فيها إيران مرادها منها، وهي الآن تعمل بشكل أكثر في تشكيل منحنى آخر سيكون أيضاً ملتزماً بتصدير الأزمات للعرب في إطار مشروع إيران مع تبدُّل في السياسة الخارجية خارج الشرق الأوسط فقط.
المشروع الإيراني في المنطقة لن يتوقف، ولن تترك إيران نهجها، ولن تُبدل سلوكها، وهذا ما لا بد أن نعيه حتى وإن تراجع دورها في سوريا وحلت محله روسيا، حتى وإن أعلنت موسكو بأن تنسيقاً استخباراتياً بينها والعراق والولايات المتحدة وإيران داخل العراق، فهذا لا يُشكِّل شيئاً تجاه العرب سوى أن إيران ما زالت تحاول اختراق المنظومة العربية التي لم يتبقَ منها غير الجزيرة العربية كجزء أصيل يمكن من ورائه استعادة ما اختطفته إيران، فاليمن هو جزء تم استعادته، وهناك ما زالت أجزاء أخرى لا بد وأن تُستعاد في المنظومة العربية.