ثامر بن فهد السعيد
تتمتع المملكة العربية السعودية بتركيبة سكانية شابة ونمو سكاني يُعد أحد أعلى معدلات النمو في العالم، حيث تتجاوز نسبة النمو السكاني في البلاد مستوى 2% سنوياً.
تمثّل الشريحة العمرية من الولادة وحتى عمر 14 سنة ما يعادل 28.6% من التعداد السكاني للبلاد، تليها الشريحة العمرية بين 30 و 45 سنة يمثّلون 27.6% من التعداد السكاني للمملكة،
وتمثّل الشريحة العمرية بين 16 و 29 سنة ما نسبته 24.3% من التعداد العام للبلاد، وهذا ما يجعل شريحة الشباب ومتطلباتهم المعيشية الأهم في الخطط التنموية وأيضاً الاقتصادية والتجارية، وهذا ما ينعكس أيضاً في البنود التنموية لميزانية البلاد في السنوات العشر الأخيرة بين مشاريع البنية التحتية والتعليمية والصحية، حتى بدأت الميزانيات تناقش الحلول الممكنة للإحلال الوظيفي وتوطين الوظائف في المملكة؛ ما سينعكس بدوره على انخفاض نسبة البطالة في البلاد، وأيضاً بحث الحلول اللازمة لمعالجة تملك المساكن، وهذا ما جعل وزارة الإسكان منذ أن كانت هيئة في تحدٍ كبير ومباشر مع الأهداف الحكومية والترقب الشعبي لزيادة نسبة تملُّك المواطنين للمنازل رغم تفاوت هذه النسبة بين التقديرات الرسمية سواء باحتساب عدد الأسر أو عدد الأفراد، إلا أن نسبة النمو السكاني ستبقي هذا التحدي قائماً حتى تتزايد الحلول التي ستساهم في حل هذه الأزمة.
وفقاً للتركيبة السكانية والشريحة العمرية في البلاد، جاء الإقبال على القطاعات الاقتصادية والأعمال التجارية التي تخدم هذه الشريحة أكبر من بقية القطاعات من وسط المال والأعمال مثل الخدمات, الصحة, التعليم والصناعة في بعض قطاعاتها، بل يلحظ متابعو السوق المالي السعودي والمستثمرون فيه أن المجتمع الاستثماري على استعداد أن يدفع قيمة أعلى من أجل الاستثمار في قطاعات مثل الصحة والتجزئة، وهذا ما تظهره أرقام شركات هذه القطاعات بالمقارنة مع أرقام السوق.
تجاوز حجم قطاع التجزئة في المملكة العربية السعودية حاجز 600 مليار ريال، وللتعرف على القدرة الشرائية لشرائح المجتمع فقد أصدرت البنوك العاملة في المملكة ما يتجاوز 20.4 مليون بطاقة صراف آلي تجاوز معدل الاستخدام الشهري لهذه البطاقات بين السحب النقدي ونقاط البيع المتوفرة في المتاجر ما قيمته 65 مليار ريال. هذه الأرقام تشير إلى أن معدل السحب اليومي من أجهزة الصراف الآلي ونقاط البيع يتجاوز مستوى ملياري ريال سعودي يومياً.
كل هذه الأرقام الكبيرة التي تدعم من قوة قطاع التجزئة وتزايد الحاجة إليه جعلت منه قطاعاً مستهدفاً للإحلال الوظيفي السعودي.
اتجهت الجهات الحكومية المعنية مثل وزارة العمل إلى إيجاد حلول تدعم التوطين الوظيفي والإحلال للمواطنين في الوظائف الممكنة والمتاحة، فنشأ برنامج نطاقات وتم تعديل نسب التوطين اللازمة، ما كان له دور في إضافة تكاليف أكبر على مصروفات هذه المشاريع ومتطلباتها للبقاء في ظل هذه التحديات.
كما دفع حجم هذا القطاع الجهات التمويلية الحكومية إلى دعم المشاريع الشبابية بالتمويل وإنشاء المشاريع لتوليد وظائف جديدة في الاقتصاد.
وفي سبيل دعم تنظيم سوق العمل وتحسين بيئة العمل فيه وزيادة جاذبيته واستقطاب المعرفة الصناعية والعملية، جاءت الموافقة على فتح الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التجزئة من باب جذب المعرفة والشركات الرائدة للاستثمار المباشر في البلاد داخل هذه الشريحة السكانية.
والاقتصاد الجذاب لمثل هذه القطاعات التجارية والاقتصادية يكون بالدعم على شكل تيسير كبير للكيانات الاقتصادية لبداية الاستثمار المباشر.
يعتقد أن يشهد قطاع التجزئة بتسهيلاته إقبالاً من الشركات العالمية الرائدة نظراً لما أسلفنا لحجم الاقتصاد وتركيب المجتمع للبلاد.
لهذه المعطيات القدرة على إضافة تحديات أكبر على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بين التحديات التشريعية إن كان في توطين الوظائف أو رفع مستويات الدخل، وأيضاً دخول مستثمرين مباشرين ذوي قدرة أكبر على المنافسة وتطويع الأسعار.
هذه التحديات وغيرها من التحديات القادمة التي قد يشهدها قطاع التجزئة، يرفع من الحاجة إلى إيجاد كيانات تجارية واقتصادية ذات قدرة أكبر على مواجهة التحديات.
اليوم أصبحت الحاجة أكبر إلى أن نشهد اندماجات بين هذه الكيانات لإنشاء شركات مساهمة بداية فمساهمة مدرجة مستقبلاً وهذا ليس بالحل الصعب، حيث شهد قطاع الصناعة في المملكة لسيناريو مماثل كما حدث في شركة اتحاد الأسلاك والذي ولّد الاندماج فيه شركة مساهمة عامة أدرجت في السوق المالية السعودية، كما شهد قطاع الصيدلة في البلاد أيضاً الاندماج والاستحواذ بين عدد من الصيدليات لتوليد كيان كبير قادر على البقاء والمنافسة، وفي منطقة الخليج وجد نموذج مماثل لهذا وهي شركة ماركة الإماراتية والتي أدرجت في سوق دبي المالي بعد التأسيس بين الاندماج والاستحواذات.
تأسيس مثل هذه الكيانات بما لا يتعارض مع قوانين حماية المنافسة سيساهم في تحسين بيئة الأعمال والوظائف والقدرة على الاستمرار في قطاع التجزئة والصناعات الخدمية في البلاد.