سمر المقرن
أعرف أنه ليس من المناسب الحديث بأمورنا الداخلية وجيشنا السعودي -نصره الله- يخوض حربًا حاسمة في اليمن، وليس من الوطنيّة إثارة البلبلة بين ظهرانيّ المجتمع لولا أن -بعض- الناس يعشق البلبلة وإثارة واستفزاز جميع أطياف المجتمع، وكأنه لا يلقي بالاً إلى مصلحة الوطن، كأنه متخصص في إصدار قوانين ضد الصالح العام، قوانين تسيء إلى صورتنا في لإعلام العربي والعالمي، وقد قلت مرارًا إننا كلما تقدمنا خطوة إلى الأمام يخرج أناس يحاولون إعادتنا إلى الخلف عشرات الخطوات، لذا على ما يبدو أننا سندخل مرحلة المثل الشعبي الشهير (ما ينفعك عقلك إذا انجنوا ربعك)، حيث إن بعض الجهات بدأت تغار من بعض المسؤولين عُشاق التصوير في أي مكان وأي مناسبة، واختلاق المناسبات والتصاريح من أجل (صورني قبل خويي).
هذه المرحلة أنجبت كثيراً من القرارات التي يُقصد منها جلب الأضواء وإحداث أكبر كميّة ممكنة من الجلبة. مثلها يندرج القرار العجيب والفريد من نوعه الذي انتشر يوم أمس عن لجنة الانتخابات البلدية العليا والقاضي بفرض غرامة قيمتها عشرة آلاف ريال على كل مرشحة في الانتخابات البلدية إن خاطبت أو خالطت الرجال الناخبين. تخيلت مشهدًا من مشاهد الرسوم المتحركة وكأننا نحن النساء في السعودية مخلوقات فضائية ستغزو الأرض، وعلى رجال الأرض بقيادة (غرندايزر) حماية الكوكب من غزو النساء المدمر، وصل الأمر في تهميش المرأة وإقصائها بأن كل قاصٍ ودانِ في السعودية يفتي ويقرر ويصدر أوامر في شأن المرأة، حتى ابنها قد يتحول بقدرة قادر إلى ولي لأمرها، حتى إن كان هاربًا من أهوال الشهادة الابتدائية ويجرجر بطنه متيقنًا وواثقًا أن أكل الرجال «على قد أفعالها»..!
انتقلنا من مرحلة تحريم «المخالطة» إلى مرحلة تحريم «المخاطبة».. وإن تُرك الأمر لهذه الفئة من إخوتنا الرجول لن يقف التضييق على المرأة، سوى بقرار تحريم استخدام المرأة لصوتها على أن تستخدم لغة الإشارة ليتم بناء عليه إصدار قرار يجبرها بالدراسة في مدارس الصم والبكم لنتلعم اللغة الخرساء لإراحة هؤلاء!
استبشرنا خيرًا بصدور قرار السماح للمرأة السعودية بدخول المجالس البلدية كناخبة ومنتخبة، ورأينا أنها خطوة أولى تُبشرنا بالخير، لكن آفة القرارات مطبقوها ومفسروها الذين يقصقصون أجنحة القرار على مقاسهم حتى يصبح عكس معناه تمامًا، مثلما فسر هذا القرار، بدلاً من أن يمنحها جزءًا من حقوقها، سلبها حقًا أكبر وأعادها إلى المربع الأول من سلب حقوقها وحريتها بتحريم مخاطبتها للرجال الناخبين، أصبحنا مع كل قرار يحاول أن يمنح المرأة حقًا مــن حقوقها نمسك قلوبنا ونخاف من قرار يفسر القرار ويقلبه عكس معناه ليسلبها حقًا أكبر..