د. أحمد الفراج
قيل لأعرابي هل تعرف البصمجية، فقال لا، فقيل له هذا خير لك، و«البصمجية» مصطلح جديد، ولم تعتمده أي من مجمعات اللغة العربية، وهناك من اللغويين من لا يحبذ هذا المصطلح، ويفضل مصطلح «البصامة»، محاكاة لمصطلح «الخيالة»، ويصر أحد علماء اللغة على أن الأنسب هو مصطلح «البصمجيون»، وأيا يكن الأمر، فإن اللغويين لا يختلفون في تعريف هذا المصطلح، فهو لغة يعني «التوقيع»، واصطلاحا يعني «الموافقة على أمر ما، عطفا على معلومات ومعطيات سابقة»، ومن المعلوم أنه لا يحق لأي أحد أن يحمل شرف لقب «بصمجي»، إلا بعد أن يكون قد بصم على أكثر من بيان أو خطاب سابق، وليس بالضرورة أن يطلع البصمجي على ما بصم عليه، فهو يبصم بناء على الثقة فيمن طلب البصمة منه، وأقرب مثال على ذلك هو حكاية «البصمجيين»، الذين بصموا على بيان يدعو إلى مجابهة الجيش الروسي على أرض الشام، ويحثون كل مقتدر على فعل ذلك.
لست هنا في وارد استعداء السلطات، فهي أحرص منا على أمن هذه البلاد، ولكن رأيت لزاما علي أن أتطرق إلى بضع ملاحظات، تتعلق بالبيان، وبردود الفعل الشعبية عليه، فقد جرت العادة على أن يتفاعل الناس ايجابا مع مثل هذه البيانات . هذا، ولكن الأمر كان مختلفا هذه المرة، فقد خصصت وقتا لا بأس به لمتابعة ردود الأفعال على البيان، وحرصت على أن أكون في منتهى الحيادية، وتبين لي أنه كان هناك شبه اجماع شعبي، في مختلف وسائل التواصل، وفي المجالس العامة على شجب البيان، وكانت أكثر العبارات ترددا هي النص التالي: «لماذا أيها الموقعون تدعون الناس للجهاد، ولا تجاهدون أنتم ولا أبنائكم؟!»، وهذا يعطينا بارقة أمل بأن «الوعي الشعبي» يتطور مع الوقت، وإن كان ذلك بطريقة بطئية، لا تتواءم مع الأحداث الدراماتيكية السريعة، ولا يراودني شك في أن التيارات الحزبية في المملكة، والتي كانت وراء الدفع بهذا البيان، قد صعقت، وأدركت أن أمر قيادة الرأي العام، والتغرير بالشباب لم يعد ميسرا مثلما كان، حتى قبل سنوات قليلة.
اللافت أن البصمجية لا ينوون الجهاد، كما لا ينوون الزج بأبنائهم أيضا، ونظرة سريعة تشير إلى أن معظمهم من الأثرياء، وأصحاب الوظائف الجيدة، والغريب أن أحدهم له عدة أبناء، تظهر عليهم سيما النعمة، ويواصلون دراساتهم العليا في جامعات المملكة، بعد أن «جاهد» والدهم في الشفاعة لهم بالقبول، وأذكر في هذا المقام أن ابن أحد أشهر المحرضين على الجهاد سئل عن سبب عدم ذهابه للجهاد، فقال، وبكل بجاحة واستخفاف بعقول الناس، إنه يجاهد الآن في دراسته في إحدى الجامعات الغربية، وقد جاءكم خبر الذي دعا الشباب إلى الجهاد، ثم شوهد في اليوم التالي وهو يعدل بنطاله، في إحدى الساحات الجميلة، في عاصمة اوروبية، ولا زال ينتظر انقشاع الغمامة ليشتري مزرعة في أرض الشام، كما جاءكم خبر المحرضين، والذين ركبوا أحصنة، تشبه فرس القعقاع ابن عمرو التميمي، ثم جاهدوا فوق ظهورها في الحدائق الغناء، في دولة إقليمية، تتميز بالخضرة والماء والوجه الحسن، ولم يكن يفصلهم عن أرض الشام إلا عدة فراسخ، ولم لا، وأحدهم تمنى الموت على فراشه الوثير!!، والخلاصة هي أن ردة الفعل الشعبية على بيان البصمجية الأخير أثبت أن الناس بدأت تفيق على حقيقة بعض تجار الدين، والذين يتقلبون على الدمقس والحرير، بينما يدعون أبناء الآخرين إلى الموت، فشكرا للأعلام، وشكرا خاصا لأم محمد، والتي أبكتنا جميعا ذات يوم، وبينت حقيقة دعاة السوء، والذين كادوا أن يقضوا على فلذة كبدها، وعليها، فالحمد لله.