اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
قلت إن كل الإرهاصات تشير، حتى الآن على الأقل، بأصبع الإتهام إلى إيران، متهمة إيّاها بالتسبب في حادثة تدافع منى المفجعة في حج هذا العام. وأيّاً تكن نتائج التحقيقات، فجرأة إيران على محاربة الله ورسوله في البلد الحرام ليست جديدة، وكلنا يذكر حادثة نفق المعيصم التي قضى فيها خمسة آلاف حاج بسبب الإيرانيين، إضافة لإصابة عشرة آلاف آخرين، ومحاولاتها المتكررة لتعكير صفوف الحج للتقليل من شأن المملكة وخداع العالم الإسلامي بعدم قدرتها على إدارة الحج لتدويله، ومن ثم تنفيذ أجندتها الخبيثة لإشباع حقدها الدفين ضد العرب والمسلمين.. يقول العالم الجليل وهب بن منبه اليمني: (لو مكّن الله الخوارج من رأيهم، لفسدت الأرض، وقطعت السبل، وقطع الحج، ولأصبح أمر الإسلام جاهلية). بدليل ما فعله القرامطة من قتل للحجاج يوم التروية تجاوز ثلاثين ألف حاجاً، دون رحمة لطفل أو امرأة أو شيخاً مسنّاً، بل لم يفلت من القتل حتى من تمسك بأستار الكعبة، وألقوا الجثث في بئر زمزم، واغتصبوا النساء في حجر إسماعيل عليه السلام، ونزعوا الحجر الأسود من الكعبة، فلم يعد إليها إلا بعد اثنين وأربعين عاماً. وقال كبيرهم عند الكعبة: (أنا الله، والله أنا).
فالدفاع عن الدين ومناصرة الضعيف وغيرها من مصطلحات، هي مجرد شعارات ترددها إيران لتحقيق هدفها المنشود بإذلال العرب والمسلمين، وإلا لماذا لم يحج المرشد العام لثورتها على خامنئي حتى اليوم وقد تجاوز عتبة السبعين؟ هل يا ترى ما زال لم يستطع إلى الحج سبيلاً، مع أن كل شيء في يديه وبأمره في إيران؟
أجل.. حقد إيران على العرب والمسلمين قديم قدم التاريخ، وكل خططها وأعمالها من أجل إرضاء هذا الحقد الدفين، وإلا قولوا لي بالله عليكم، كيف نفهم هذه المفارقة العجيبة: تكره إيران السنّة، وتسب الخلفاء ثم تأتي اليوم (تتباكى) على من قضى منهم في الحج بسبب التدافع الذي دبرت أمره بليل، كما أسلفت؟!
أما لماذا يقدس الفرس الحسين دون سائر إخوته من أبناء الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وأرضاه، فأقول: ليس صحيحاً ما يزعمون من حب زائف لآل البيت عليهم السلام، بل لأن الحسين تزوج امرأة فارسية إيرانية، بنت ملك كسرى (يزدجر) تدعى شاهزناه، وجميع أئمتهم منها. وعلى كل حال، من يقرأ التاريخ لن يحتار في اكتشاف حقد الفرس الدفين ضد العرب والمسلمين، من غدر بالخليفة العباسي الراضي بالله، إلى تمكين التتار من دخول بغداد التي استباحتها مليشياتهم اليوم، فمساعدتهم في هجومهم على الشام، وتحالفهم مع الفرنجة ضد المسلمين، ودعم الصليبيين للاستيلاء على بيت المقدس، واحتلال الأحواز في 25/4/1922م، باتفاق مع الإنجليز وطمس هويتها العربية تماماً، ونهب ثرواتها وإعدام كل من يعارض سياستها من العرب الأخوازيين. ودعم لدولة الكيان الصهيوني للاستيلاء على الجنوب اللبناني... إلخ.
واليوم دعموا أمريكا للاستيلاء على العراق، ووقفوا مع بشار لإبادة السنّة بالتحالف مع الروس وحزب الله الذي صنعوا منه دولة داخل الدولة اللبنانية لزعزعة أمن لبنان، بدليل أن رئيس حزب الله هذا، أصبح اليوم يتحدث عن سوريا، كأنه وزير دفاعها أو رئيس استخباراتها، إذ يصفها حارة حارة.. وزنقة زنقة (على رأي القذافي). ومكنّوا الحوثيين من الاستيلاء على اليمن في 21/7/2014م، وللتأكد من صدق كلامي، تأملوا حياة شعوب تلك الدول قبل التدخل الإيراني الذي حولها إلى جحيم لا يطاق، فقد كانت في نعيم حتى في ظل حكومتها الدكتاتورية. إذ استطاع صدام حسين، بصرف النظر عن أعماله واختلاف الرأي حوله، توفير حاجة الشعب العراقي من الضرورات الأساسية وتنفيذ مشروعات البنية التحتية حتى في ظل الحصار المفروض عليه. ليس هذا فحسب، بل سلم العراق لأمريكا وإيران وفيه خمسمائة عالم درجة أولى. وفي سوريا أصبح السوريون اليوم طعاماً للأسماك والحيتان بفضل إيران ومساندتها للنظام الاستبدادي هناك، ولبنان دون رأس للدولة منذ أكثر من عام، ويقف على برميل بارود يمكن أن ينفجر في أية لحظة، وتعطلت الحياة فيه لدرجة عجز أهله عن جمع نفاياتهم. أما اليمن (غير السعيد) فإن قدمت إيران مساعدات سخية له لمائة عام، ما استطاعت معالجة ما ألحقته به من ضرر بليغ. بل في إيران نفسها، يبكي الإيرانيون اليوم بحرقة على زمن الشاه ويسمونه (زمن الخير).. وأنا أكتب مقالي هذا تقدم أربعة وزراء في حكومة إيران بمذكرة شديدة اللهجة لرئيس الدولة روحاني، محذرين من كارثة اقتصادية وشيكة تحل بالبلاد، بعد أن أنفقت (ثورتها) كل (ثروتها) من أجل الحصول على سلاح الدمار الشامل ودعم أتباعها هنا وهناك للسيطرة على المنطقة. هذا فضلاً عما يعانيه شعوب تلك البلدان من تفجيرات وحز رؤوس وصلب ونهب ودمار أعمى لكل ما هو مفيد، بسبب التنظيمات المتطرفة من داعش وأخواتها التي جلبتها إليها إيران، التي تسعى للإصلاح (حسب زعمها) بمعاول الفساد والخراب والدمار. التي تجاوز عددها في سوريا وحدها، السبعين فصيلاً مسلحاً، تنشر الخراب والدمار بمعاول إيران (الإصلاحية). هذا طبعاً فضلاً عما يحدث في الكويت والبحرين وليبيا ومصر وتونس والسودان، بسبب شهية الفرس المتعطشة للسيطرة على المنطقة وسيادة العالم المزعومة.
إعلام رخيص
ومع هذا كله للأسف الشديد، انبرت أصوات نشاز، تشن حملة إعلامية مسعورة، بزعامة إيران وجوقتها من نوري المالكي وفريد زكريا وهيكل وتوماس فريدمان والمسيرة والمنار، بل والــ (B.B.C) التي سقطت أخلاقياً عندما تخلت عن مهنيتها وتبنّت مواقف عدائية تجاهنا، معتمدة الكذب والتلفيق.
أجل.. أقول إعلاماً رخيصاً لأنه ينافي الحقيقة ويرتكز على الكذب والدجل والتزوير، ففي إيران نفسها التي تصف السعودية بالتقصير في واجبها تجاه ضيوف الرحمن، ويتوعد رئيسها باستخدام القوة ضدنا، يؤكد وزير الصحة الإيراني، بعد اجتماعه مع وزير الصحة السعودي في جدة يوم الأربعاء 16/12/1436هـ، الموافق 30/9/2015م أن: (حادث التدافع في منى كان أمراً خارجاً عن الإرادة.. ونحن نسلم لمشيئة الله وقدره). مثمناً جهود بلادنا وقيادتها الرشيدة واستجابتها للتعامل مع الحادث، وتقديم كل الخدمات الصحية اللازمة في الوقت المناسب، متفهماً صعوبة المهمة، مقدراً للمملكة ما تقدمه من خدمة في موسم الحج لضيوف الرحمن.. فعيب عليكم ذميم أيها الجالسون على كراسي السلطة في إيران، هذا التوظيف السياسي الفاضح لمأساة ضيوف الرحمن، بهدف انتقاص جهود دولة تأسست ابتداءً للاضطلاع بهذا الشرف العظيم. ولا أظنني في حاجة لتذكيركم بأن الرافعات عندنا للبناء والتعمير، بينما تستخدم عندكم لشنق الأحوازيين الأبرياء وتعليقهم في الشوارع، لمجرد أنهم يطالبون بحقوقهم المشروعة التي سلبتموهم إيّاها عنوة.
أما في العراق، فقد تحولت البلاد إلى دولة فاشلة بامتياز، بسبب سياسة المالكي الطائفية العميلة لإيران، التي أوغرت صدر كل مكونات الشعب العراقي، وأجبرته على التنازل عن كل مقومات الحياة في سبيل ضمان الأمن، الذي افتقده حتى المالكي نفسه وحكومته، فخصص لحماية رئيس الدولة ستة آلاف عنصر (ثمانية أفواج) تكلفتهم السنوية أربعة تريليونات دينار، وسبعمائة وخمسين شخصاً لحراسته الشخصية، وثلاثمائة وسبعة وسبعين شخصاً لكل واحد من نائبي الرئيس، ولكل عضو من أعضاء مجلس النّواب.. باختصار شديد: ثمّة اثنين وأربعين ألف عنصراً لحماية الرئيس والحكومة والبرلمان، يكلفون الخزينة العامة ستة مليارات دولار سنوياً، أي خلال حكم المالكي للعراق، دفع العراقيون ثمانية وأربعين دولاراً على حراسته وحكومته. هذا بالطبع فضلاً عن حكاية جنود المالكي (الفضائيين) الذين دخلت الموصل بسببهم عامها الثاني تحت حكم الدواعش، وسيطرتهم الكاملة عليها وإذلال أهلها.. والعجيب الغريب، أن المالكي وقّع حكم إعدام صدّام حسين (بسبب الفساد).
تطور خطير
صحيح.. موجة الإرهاب الطائشة التي تدعمها إيران وعملاؤها في المنطقة، ليست جديدة، وهي سياسة ثابتة في الدستور الإيراني، سعياً لإشباع هذا الحقد الدفين الذي يجثم على صدر الفرس.. راجعوا كلمات نشيدهم الوطني، الذي جاء فيه : بهمن هو رمز إيماننا. أتدرون من هو بهمن هذا؟ إنه ابن سفن ديار، قائد معركة الفرس ضد المسلمين، وبهمن نامه واسم المعركة التي حدثت بين الفرس والمسلمين.
إذن هذا التشدق بالإسلام والتظاهر بنصرة الحق والمظلومين، هو مجرد لبوس وتقية لتحقيق أهدافهم. فصعّدوا حملاتهم الإرهابية عبر مليشياتهم التي اعتمدت أفظع أنواع الإجرام للوصول إلى الغاية المنشودة، من قتل وحرق واغتصاب ومصادرة للممتلكات، واستهداف للمساجد، فلو تأملنا قليلاً منذ حادثة منفذ الوديعة، التي لم تراع حرمة يوم الجمعة، مع ما له من فضل عظيم، إلى فاجعة القديح والدمام ومسجد قوات الطوارئ في عسير، ومسجد الإمام الصادق في الكويت، ومساجد صنعاء، وتفجيرات البحرين وتونس ومصر وفرنسا.. لو تأملنا ذلك كله وغيره من الفظائع التي ارتكبت باسم الدّين، لعرفنا حقيقة تلك الشهية المسعورة لدماء الأبرياء ونشر الفوضى والدمار.
و صحيح.. من لا يتورع عن استهداف ضيوف الرحمن في الأراضي المقدسة، في الأيام الحرم، لن يبالي باستهداف مسجد هنا أو هناك وقتل عباد الله الموحدين وهم سجود وركوع، وتمزيق كتاب الله الكريم وإغراقه بدماء الأبرياء وأشلائهم، غير أن التطور الأخطر في نظري، هو هذا الغسيل العجيب للمخ، الذي اعتمده أعوان الشيطان للتغرير بالمراهقين و دفعهم لقتل آبائهم وإخوتهم وأعز الناس لديهم، غير مبالين بصرخات استغاثتهم التي يحن لها حتى الحجر. إضافة إلى هذا التطور النوعي الخطير في صنع المتفجرات، ففي شهر واحد فقط، تمكّنت قوات الأمن السعودية الباسلة من القبض على خلايا إرهابية نائمة، تدير ثلاثة مصانع للمتفجرات، واستبقت العديد من العمليات الإرهابية بحسها الأمني الفريد، التي كانت على وشك الحدوث، لو لا لطف الله ويقظة أسود نايف، بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الشؤون السياسية والأمنية، الذي عرفه العالم أجمع بــ (جنرال الإرهاب) لما له من همة عالية وسياسة حكيمة وعزيمة تفل الحديد، للدفاع عن هذه البلاد المباركة وعقيدة أهلها وحراسة مقدساتها.. صاحب الرأي الشجاع الحاسم: كل من يحاول اختطاف دور الدولة سيحاسب... كل من يحاول العبث بأمن المملكة وشعبها، سيجد الرد عملياً في الميدان، من دون تأخير.
هذا الرجل القوي الشجاع المخلص لعقيدته وقيادته ووطنه، الذي لم يزده استهداف الإرهابيين له إلا إصراراً على قطع دابرهم واجتثاث شأفتهم، فتراه في الميدان مع جنوده يحفظون الأمن ويحاصرون تجار السموم من مخدرات وخمور وسلاح عشوائي وغسيل أموال، فيسهرون لننعم نحن بالراحة والأمان والاطمئنان، ولتظل دولتنا إلى الأبد (البلد الأمين).
حزم القائد الشامل
صحيح.. تلك كلها محن وتحديات جسمية، أزهقت الأرواح البريئة وعطلت عجلة التنمية وشوهت الإسلام، مما دفع الغرب وأعداء الإسلام، في العالم عموماً لتصويره على أنه دين شيطاني، يمثل اليوم الوجه المباشر للأنباء المثيرة المفجعة، بسبب تبني بعض المسلمين أفكاراً متطرفة خططها لهم أعداء الإسلام، حتى رأينا اليوم التنظيمات المتطرفة تتحدث باسم الإسلام، فيما توارت صورة الإسلام الحقيقية وصفحته المشرقة. وانشغل العرب والمسلمون بالاقتتال حول مسلمات بدهية، بل أحياناً يذهب بعضهم لتكفير البعض الآخر لاستحلال دمه، جاهلاً أن الكفر ليس سبباً لإزهاق الروح التي حرّمها الله، وإلا لقتل نوح ابنه، ولقتل إبراهيم أبوه، ولقتل لوط زوجته، ولقتل سيد البشر، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عمّه.. فلا أدري أي عقول مريضة تلك التي تفجر والدها وخالها وعمّها وأخوها وأرحامها، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمّداً رسول الله.
كل هذا يحدث وقائدنا وحادي ركبنا الملك الشامل، خادم الحرمين الشريفين، سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله ورعاه، يداوي جراحاً هنا، ويلم شملاً هناك، ويكبت عدواً بينهما، ويسعى بحكمته وحنكته وإدراكه لمسؤوليته العظيمة، للسير بالمنطقة إلى بر الأمان، وتجنيبها الصراعات والحروب والاقتتال، والتفرغ للتنمية والإعمار، تحقيقاً لرسالة الخلافة في الأرض. حتى إذا طفح الكيل ولم يكن لأعداء الأمة عقلاً يدرك التحديات والمخاطر التي يمكن أن تحدث بسبب عنادهم، باغتتهم جحافل سلمان وصقوره، وهم نيام، فدكت حصونهم وفرقت شملهم وأسقطت مخططاتهم للعبث بمستقبل الأمة، فكانت عاصفة الحزم بداية مشروع عربي كبير، طالما حلمت به الأمة لكي يحتل العرب موقعهم الصحيح في سياسة العالم واقتصاده، ويتمتعوا بحق وقهم التي طالما غيبها تواطؤ المستمرين مع تجار الحروب والدمار والعملاء والخونة.
واليوم، إذ يعض أعداء الأمة أصابع الندم، ويرعدون ويزبدون متوعدين بالانتقام، تسير عاصفة الحزم حسبما خطط لها قائدنا مع إخوانه قادة دول التحالف العربي، الذي فاجأ العالم بسرعة اتفاقه على اتخاذ القرار، ثم ما لبث أن فاجأ المفاجأة بسرعة تنفيذه لما تم اتخاذه من قرار.
وبعد
نحمد الله الذي وهبنا هذا البلد الطيب المبارك، وجعل بيته ومثوى رسوله عندنا، وشرفنا بخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وهيأ لنا قيادة راشدة مخلصة صالحة، تشقى لنسعد نحن، وتسهر لننعم بالأمن والأمان والاستقرار، وتحفزنا للتسابق في الخيرات، فحققت لبلادنا مكانتها التي تليق بها بين ألأمم. وبقى الدور علينا لرفد جهد قيادتنا لتحقيق المزيد من التطور والتقدم والرقي لبلادنا. وأحسب أن المسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع، غير أنني أود أن أوجه بعض رسائل لثلاث جهات، أرى أنها معنية أكثر من غيرها بهذا الشأن، هي: وزارة، التعليم، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ووزارة الثقافة والإعلام. وصحيح أنها كلها تبذل قصارى جهدها للاضطلاع بواجبها، غير أنني أردت من منطلق التعاون على أداء الواجب الوطني، أن أدلي ببعض ما أراه من رؤىً متواضعة لتحقيق المزيد لبلادنا، تأصيلاً لسياسة الباب المفتوح التي رسخها المؤسس وسار عليها كل أبناؤه الكرام الذين تولوا قيادة القافلة بعده، وصولاً إلى هذا العهد الميمون.
فأقول، حبذا لو تعيد وزارة التعليم النظر في منهج التربية الوطنية في مدارس التعليم العام، بحيث يصبح قادراً على تجذر الوطن في نفس الطلاب وترسيخ مفهوم المواطنة وعشق ثرى الوطن، حتى يغدو كأنه بضعة منهم، وتنويرهم بحق الوطن عليهم وواجبهم تجاهه.
أعرف أن المهمة لن تكون سهلة، غير أنها ليست عصية على وزير نشط مخلص، كالأخ الدكتور عزام الدخيل، فعلينا العمل حتى يصبح النشيد الوطني أعظم لحن لكل أذن في بلادنا، لتشب الأجيال وقد تشرَّبت نفسها حب الوطن والحرص على مكانته وسمعته وريادته بين الأمم. وأود هنا أن أشير إلى تلك المظاهر السالبة والممارسات غير المسؤولية التي مارسها بعض شبابنا أثناء عطلة الصيف الأخيرة في بريطانيا على وجه الخصوص، التي كانت محل استهجان البريطانيين، وبالطبع انتشرت في العالم كله بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، فقطعاً لا يمكن أن تصدر مثل تلك الممارسات من إنسان يحب وطنه، لأنه يدرك مسؤوليته في أن يكون خير سفير له أمام الآخرين.
أما وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، فأرى أنها معينة أيضاً بالتواصل مع وزارة المعارف للاتفاق على منهج يرسخ معنى الوطن والقيم الوطنية في نفس النشء في ضوء الكتاب والسنّة، ونبذ القبلية والعنصرية والجهوية والطائفية، والولاء للقيادة، والانتماء للوطن، وتعزيز مفهوم الوحدة الوطنية، والواجب المقدس في الدفاع عن الوطن وحماية حدوده وحفظ أمنه واستقراره ومقدراته.
وصحيح.. خطب الجمعة والندوات والمحاضرات الدورية مهمة، لكنها ليست كافية لتحقيق الهدف كما ينبغي.. يجب أن نعمل جميعاً حتى يكون ثرى هذا الوطن الطاهر أغلى شيء في نفس أجيالنا.. ساعتها لن نخشى على مستقبلهم إن شاء الله.
أما وزارة الثقافة والإعلام، فلا أخفي عتبي عليها، مع تقديري لجهدها، إذ يكتشف كل مهتم ومراقب أنها تعمل بردة الفعل بشكل أساسي منذ زمن بعيد، ففي كل مرة ننتظر حتى يهاجمنا الآخرون، ثم ننتفض وننشغل كثيراً برد التهم، أي نكون دوماً في موقع المدافع، لا المهاجم. ولهذا أتمنى أن تكون لها خطط مستقبلية قادرة على استشراف ما يمكن أن يستجد في هذا الشأن أو ذاك، استباقية، كوزارة الداخلية التي تعمل بكفاءة منقطعة النظير، فتتمكن من ترسيخ مناعة مسبقة لدى الآخرين ضد أي افتراءات محتملة من حاقد هنا أو حاسد هناك. ومرة أخرى، أعرف أن المهمة ليست سهلة، غير أنه ليس ثمة مستحيل أمام همة وزير شاب أيضاً كالأخ الدكتور عادل الطريفي.
كما أتمنى أيضاً أن تختفي تلك العبارات التي لا تليق بمجتمع الرسالة في المملكة العربية السعودية، التي يرددها بعض الإعلاميين، وأن يركز إعلامنا بكافة أشكاله على الموضوعية والمهنية، بعيداً عن شخصنة المواقف والتركيز على الانتقاص من قدر الآخرين، مهما كان اختلافنا معهم، ومهما أوغلوا هم في السب والشتم، لأن تلك هي حيلة العاجز، ولأننا أمة قدوة صاحبة رسالة.. وارجعوا لسيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم، فلن تجدوا لفظة واحدة تشمئز منها النفس في حق أي كافر، مهما حدث منه من أذىً، بل يدعو لهم: اللّهم اهدي قومي.
ولا يعني هذا أنني أدعو لمهادنة من يسيء لبلادنا العزيزة الغالية أو قادتنا الأوفياء المخلصين، بل على العكس تماماً، خذوا حقنا من كل مسيء، حتى لذرة رمل واحدة من رمال بلادنا الطاهرة المباركة، لكن بموضوعية ومهنية تليق ببلد الرسالة، لنكون قدوة للناس في كل شيء ، حتى في انتقادنا لهم وردنا على اتهاماتهم وافتراءاتهم، وليكن قدوتنا في هذا سلمان.. فيجب علينا من الآن أن نكون فاعلين ومؤثرين حقيقيين، أصحاب مبادرات بناءة، تجهض كل خطط الأعداء المتربصين بنا، أي ينبغي أن نشكل الوضع من حولنا، لا أن نتشكل داخله، كما يؤكد مقامه الكريم، حفظه الله ورعاه.
و صحيح.. ما تبذله وزارة الداخلية، التي أصفها دائماً بـ(أم الوزارات) من جهد مقدر ومشكور، يفوق الوصف، إذ تضيف كل يوم نجاحاً جديداً لقائمة نجاحاتها الطويلة العريضة، ومع هذا، أتمنى أن تبادر بدعوة رصيفاتها في خليج الخير لتشكيل غرفة عمليات ساخنة مشتركة، تعمل على مدار الساعة، تتعقب كل التحـركات المريبة، وتتبادل المعلومات بين الدول بشكل سريع، على غرار ما فعله وزراء العدل في اجتماعهم الأخير في الدوحة، من توصية بإعداد نظام موحد بدول المجلس لمكافحة الإرهاب، والموافقة على مشروع تسليم المتهمين والمحكوم عليهم.. وقطعاً أدرك أن ثمة جهداً كهذا قائماً فعلاً بين أجهزة الأمن الخليجية، غير أنني أدعو لتوسيع نطاقهن لأن التحديات التي تواجهنا خطيرة جداً، تتطلب تعاون الجميع.
و نداء أخير لكل أب وأم: هلمّوا نستعيد دفء الأسرة الذي سرقته منّا الحياة العصرية اليوم بكل بهرجتها و وتيرتها المتسارعة.. لنجلس مع أبنائنا وبناتنا ونوفر لهم الأمن والأمان والعطف الأسري، ليفضفض كل منهم بما يشغله ويعكر صفو حياته فنساعده، ونبعده عن الاستغراق في وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت اليوم تشكل وكراً خطيراً لغسيل عقول الشباب والمراهقين، ليصبحوا خطراً على نفسهم قبل أن يصيروا خطراً على الآخرين. فليس ثمّة شيء أكثر دفأً من حضن الأسرة المستقرة السعيدة، لاسيما أننا رأينا كثيراً من الفواجع التي حدثت بسبب عدم التواصل الأسري، الذي جعلنا نعيش في جزر معزولة.
و اليوم، إذ تهب رياح عاصفة الحزم العاتية، فتقتلع كل المعوقات التي تعترض الشرعية في اليمن، تحقق كل يوم نصراً مؤزّراً، فعادت الحكومة الشرعية بعد جهاد ستة أشهر إلى أرض اليمن الذي سوف تعيده عاصفة الحزم سعيداً إن شاء الله، كما يريده أهله ونتمنى كلنا، وهي تباشر مهماتها في إدارة الدولة من عدن، فيما يتقدم صقور العاصفة بخطىً ثابتة لتخليص البلاد من قبضة المتآمرين، فحررت تعز ومضيق باب المندب وسلمته للقيادة اليمنية ممثلة في نائب الرئيس خالد بحاح، بل حررت حتى الآن خمسة وسبعين في المائة من الأراضي اليمنية، حسب إفادة العميد أحمد عسيري، الناطق الرسمي باسم الجيش السعودي، وتعمل قوات التحالف بتوجيه قائد الحزم سلمان العزم والثبات، لتكمل مهمتها بتحرير صنعاء وإعادة الأمور إلى نصابها قبل مؤامرة 2014م التي سلمت البلاد للحوثيين بالتواطؤ مع المخلوع علي عبدالله صالح، مما اضطرهم للتعهد للأمم المتحدة، لأول مرة، كتابة باستعدادهم لتنفيذ القرار 2216.
ويبقى الدرس الأهم في تقديري، هو قدرة الأمة العربية على العمل، إذا توافرت الإرادة والنية الصادقة.. فهنيئاً لنا بقائد الحزم والعزم والثبات، الذي أعاد للأمة مجدها وكرامتها وبثّ فيها الروح من جديد، ولن تكون بلداننا بعد عاصفة الحزم مرتعاً للمتآمرين والعملاء المارقين ليعيثوا فيها فساداً، فسلمان لهم بالمرصاد.
ولننتبه جيداً إلى أن كل ما يحاك اليوم ضد أمتنا من مؤامرات هو شيء مقصود ومخطط له بعناية شديدة، باتفاق قوي الشر والظلام ومافيا السلاح والمخدرات وأعداء الخير والأمن والسلام في العالم، لنبقى دوماً في المربع الأول، يقتل بعضنا بعضاً، وننشغل في أحسن الأحوال بفتوى تحريم (قوقل) والتعرف على الأهداف الخفية لــ (الجني شارلي).
وقد أبدع الأمير خالد الفيصل كعادته في تصوير هذا السيناريو إذ يقول:
همش العقل نفسه والضمير اعتزل
واستباح العرب دم العرب بابتذال
يا الله إني دخيلك من زمان الهبل
يذبح المسلم المسلم طغى واغتيال
والمخطط نشر فوضاه بين الجهل
والمجاهد نحر نفسه بسوق الضلال
في حين يسعى العالم المتقدم لاكتشاف كنوز الطبيعة، وما تخفيه المجموعة الشمسية من أسرار، ويسخر العلم لخدمة الإنسان، لعلاج أمراض كنا حتى الأمس القريب نظن أن علاجها مستحيلاً، كالعمى والسرطان بمختلف أنواعه، ويزرع رأساً سليماً في جسد ذابل. ويتكاتف لمساعدة بعضه بعضاً كما تفعل أوروبا اليوم لمساعدة اليونان، ويحتفل فيبكي فرحاً بانتهاء التشرذم والانقسام وعودة الوحدة، كما يفعل الألمان الآن، وأنا أختم مقالي هذا، في حين أن لدينا في سوريا وحدها ما يزيد عن سبعين فصيلاً. في المعارضة مختلفة التوجهات والأهداف، فضلاً عما يجري في ليب يا وغيرها من عالمنا العربي الذي مزقته الحروب الأهلية والتكالب على السلطة.
فالحمد لله المنعم الوهاب، الذي آثرنا دون غيرنا بهذه الرسالة السامية العظيمة لخدمة بيته ومثوى رسوله، ووفق أمامنا اليوم سلمان الحزم والعزم، عظيم السلاطين اللي حزم رأسه بتاج الشهامة لمواصلة المسيرة وقيادة قافلة الخير القاصدة بكل كفاءة واقتدار، فهو بطل مقدام وفارس شجاع وقائد شامل كما أسلفت، يعمل له العالم ألف حساب، كما أكد شاعر الوطن، خالد الفيصل:
له موقفٍ سامي بكل الميادين
قاد القيادات وتبنى الزعامة
إذا تحدّث يصغي له الغرب والصين
وإذا تحرك تحترك كل قامه
والحقيقة، لا أجد أفضل من أن نرفع الأكف مع (أبو بندر) في آخر بيت من رائعته تلك، لأختم مقالي هذا، مبتهلين إلى المولى العزيز الكريم، أن يوقف قيادتنا ويحفظها من كل سوء ومكروه، ويحفظ بلادنا من كيد الحاقدين، ويديم علينا الأمن والأمان والاستقرار:
ودارٍ عسى المولى يعمره على الدِّين
بقيادتك في عزّ وأمن وسلامة