د. عبدالرحمن بن محمد القحطاني
قدم المؤلفان الدكتور شاكر بن أحمد الصالح والدكتور خالد بن محمد الصريمي، للمكتبة العربية وللقارئ الكريم هذا الكتاب الذي يعد مقدمة شاملة وكافية في الجودة الشاملة. فبعد سؤال العديد من المختصين في هذا المجال، وبعد تدريس مادة الجودة الشاملة في العديد من الجامعات، وبعد حضور العديد من الدورات التدريبية في دول شتى، أيقن المؤلفان أن المكتبة العربية في حاجة ماسّة إلى كتاب شامل يتناول موضوع الجودة الشاملة من كافة جوانبها. فما هو موجود ومتاح للقارئ الكريم إنما هي كتب تتناول الجودة الشاملة في الإسلام، أو كتب تناقش إدارة الجودة الشاملة الحديثة بدءًا من عالِمها الأول إدوارد ديمنج، ولا يوجد كتاب يتناول الجودة الشاملة من جوانبها المختلفة، وخصوصًا مفهوم الجودة في القرآن والسنة، وإسهامات علماء الإدارة السابقين، ويربطها بالجودة الشاملة الحديثة. وعلى ذلك انبرا لمثل هذا الموضوع المهم في تأليف هذا الكتاب القيم، والذي وجب عرضه وبشكل مقتضب، خدمة لقراء جريدتنا العزيزة «الجزيرة» للمنفعة والإفادة منه في الحياة اليومية والعملية.
فيشتمل هذا الكتاب على ثلاثة عشر فصلاً، خُصص الفصلان الأولان منه للحديث عن نشأة الجودة الشاملة بصفة عامة. حيث تضمن الفصل الأول إظهار مبادئ الجودة في الشريعة الإسلامية، التي أكد الشارع الحكيم على تطبيقها والعمل بها، كما ذُكر ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وكذلك الكتب والمراجع التي أسهبت في الحديث عن الجودة الشاملة في الإسلام. وقد راعيا المؤلفان التركيز بشكل كبير على مفهوم الجودة الشاملة في المنظور الإسلامي - كما يراها المؤلفان - آخذين في الاعتبار التطور الحديث للجودة في شتى المجالات المعاصرة.
أما الفصل الثاني فقد تناول الجودة الشاملة الحديثة، حيث يؤكد المؤلفان أن إسهامات علماء الإدارة السابقين أمثال: ماكس ويبر، وهنري فايول، ولوثر قوليك، وفردريك تايلور كان لها السبق في نشأة مفهوم الجودة الشاملة، التي حمل لواءها لاحقًا والتر شيو هارت، وإدوارد ديمنج منذ بدايات القرن الماضي، وتلا ذلك إسهامات لعلماء آخرين ارتبطت أسماؤهم بإدارة الجودة الشاملة، أمثال: جوزيف جوران، وكاورو إيشيكاوا، وفيليب كروسبي وغيرهم.
ولذلك فقد أفردا الفصل الثالث للحديث عن نشأة الجودة الشاملة الحديثة وإسهامات علمائها، وهم: جوزيف جوران، وإدوارد ديمنج، وفيليب كروسبي، وكاورو إيشيكاوا. ويأتي تخصيص هذا الفصل للحديث عن هؤلاء العلماء تأكيدًا على أن اللبنات الأولى للجودة الشاملة - التي امتد أثرها إلى وقتنا الحاضر - لم تكن لتتأتى لولا الجهود التي بذلها هؤلاء العلماء في تأصيل الجودة الشاملة الحديثة وتأسيسها.
الجودة الشاملة.. تطورها.. أساليبها
أما الفصل الرابع في هذا الكتاب فقد خُصص للحديث عن مفهوم الجودة الشاملة وأبعادها. وقد راعيا فيه التركيز على جانبين مهمين عند الحديث عن أبعاد الجودة الشاملة وخصائصها - وكلا الجانبين يؤثر تأثيرًا مباشرًا على العلاقة التي تربط المنظمة بالعميل - وهذان الجانبان هما: خصائص السلعة المقدمة للعميل، وخصائص الخدمة المقدمة له. وتحدّث الفصل الخامس من الكتاب عن أهمية القيادة الفعالة، وأثرها المباشر على تطبيق الجودة الشاملة في المنظمات العامة والخاصة. حيث يعتقد المؤلفان أهمية تأثير القيادة الفاعلة في تطبيق الجودة الشاملة، وفي حال انعدام الرؤية الثاقبة للقيادة التي تتولى إدارة دفة التغيير في المنظمة يصبح تطبيق الجودة الشاملة مستحيلاً، أو قد تتكبد المنظمات تكاليف باهظة من جراء عدم توفر تلك الرؤية القيادية للمنظمة وللعاملين فيها على حد سواء. في حين ركّز الفصل السادس في الكتاب على أهمية التخطيط الاستراتيجي في تطبيق الجودة الشاملة؛ وذلك بسبب أن تبني فلسفة الجودة الشاملة يتطلب تخطيطًا استراتيجيًّا بالغ الدقة، فقد بينا أهمية التخطيط من خلال تبيان مستويات الإدارة الاستراتيجية وأهم محاورها، والمنهج الناجع الذي يتبعه التخطيط الاستراتيجي الفعال في تطبيق الجودة الشاملة.
أما الفصل السابع فتناول أهمية إدارة التغيير في تطبيق الجودة الشاملة. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن إدارة التغيير لها أهمية قصوى عند تطبيق الجودة الشاملة؛ حيث إن العاملين قد لا يتقبلون تغيير العمل الذي يعملونه منذ سنوات. ولذلك فإن التغيير يتطلب قيادة محنّكة تستطيع تحويل عدم التقبل من الموظفين إلى اهتمام وعمل دائبين؛ لإرساء قواعد الجودة الشاملة في المنظمات التي يعملون فيها.
وقد ركز الفصل الثامن على أثر العمل الجماعي ومهارات الاتصال في الجودة الشاملة، حيث قُسم إلى قسمين رئيسين: ناقشا في القسم الأول العمل الجماعي بدءًا من تعريفه، وفوائده، ومراحل تشكيله، وخطوات العمل الإيجابي الفعال، وانتهاءً بخصائص العمل الجماعي والعوامل التي قد تُخلّ بالعمل الجماعي. أما القسم الثاني فقد ركّزا فيه على مهارات الاتصال الفعال؛ حيث عرّفا الاتصال الفعال، وذكرا أهم عناصره وأركانه، وناقشا الأسباب التي قد تؤدي إلى فشله، وأخيرًا الأسس الناجعة التي يقوم عليها الاتصال الفعال. وكان تدرج الفصول السابقة من الأهمية بمكان قبل الحديث عن بدء التطبيق الفعلي للجودة الشاملة الذي تناوله الفصل التاسع، وفيه تحدثا عن أهمية تطبيق الجودة الشاملة لكل من الأفراد والمجتمعات، وكذلك للشركات والمنظمات. كما تناول هذا الفصل فوائد تطبيق الجودة الشاملة، وأهدافها، ومراحلها.
نشأتها.. تطورها.. أساليبها
أما الفصل العاشر فركّز على تكاليف الجودة؛ حيث يُتوقع أن يكون لتطبيق الجودة تكاليف متنوعة. وقد قسما هذه التكاليف إلى: تكاليف مطابقة وتكاليف غير مطابقة. وناقش الفصل أيضاً خصائص تكاليف الجودة، وطرق قياسها، والتي إما أن تكون تكاليف واضحة يسهل تحديدها وقياسها، وإما أن تكون تكاليف غير واضحة يصعب تحديدها وقياسها. وفي كلتا الحالتين فإنه يجب قياس تكاليف الجودة؛ حتى لا تتحمل المنظمات خسائر لا حصر لها من جراء تطبيقها الجودة الشاملة. وركز الفصل الحادي عشر على الأدوات التي يتم من خلالها تطبيق الجودة الشاملة. وقد قسماه إلى نوعين؛ أولاً: أساليب نوعية، وأهم أدواتها: أسلوب العصف الذهني، ومخطط سير العمليات، ومصفوفة المعايير، ومخطط جانت. ثانيًا: أسلوب العرض الإحصائي، وأهم أدواته: الدوائر، والأعمدة، ومخطط باريتو، وخريطة المراقبة.
أما الفصل الثاني عشر فتم التركيز فيه على أربع طرائق مهمة من طرائق تحسين الجودة الشاملة، وهي: طريقة لين، وطريقة سيكس سيجما، وطريقة كايزن أو حلاقات الجودة، وطريقة الوقت المناسب (Just-in-Time)، حيث ناقشا المبادئ الرئيسة للين، والعناصر السبعة المهدرات التي يجب على المنظمات والشركات تفاديها، وكذلك السينات الخمس التي نشأت في اليابان، وأيضًا أسلوب التوقيت المناسب. كما تناول هذا الفصل التعريف بسيكس سيجما وعناصرها. كما أشرا إلى أن التوجه الحالي هو في دمج لين مع سيكس سيجما؛ لتحسين جودة الخدمات المقدمة والسلع المصنعة، من خلال التركيز على تجنب الهدر في الموارد المتاحة، وتقليل التباين والاختلاف في جودة المخرجات.
وأما الفصل الثالث عشر والأخير في هذا الكتاب فقد تحدث عن جوائز الجودة الشاملة وأنظمتها. وتطرقا فيه إلى أهم ست جوائز تشجّع على تطبيق الجودة الشاملة، هي: جائزة الملك عبد العزيز للجودة، وجائزة الملك عبد الله الثاني، وجائزة مالكولم بالدريدج الوطنية للجودة، وجائزة ديمنج للجودة، وجائزة المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة، وجائزة المنظمة العالمية للمقاييس والمواصفات «الأيزو» , وحيث إن هناك العديد من الدول والمنظمات التي تشجع على تطبيق الجودة الشاملة ومن الصعوبة بمكان حصرها، فقد أوردا جدولاً لأهم جوائز الجودة العالمية الأخرى، من وجهة نظر المؤلفان. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن هذا الكتاب لا يتطلب من القارئ أن يكون ملمًّا بعلم الإدارة بشكل عام وعلم إدارة الجودة الشاملة بشكل خاص، ومن هذا المنطلق فإنه يمكن الرجوع إليه في تدريس مادة الجودة الشاملة لطلاب وطالبات الجامعات والدراسات العليا؛ وذلك لشموليته، ومراعاة المؤلفين لما يحتاجه طلاب الجامعات والدراسات العليا من الأسئلة والحالات الدراسية التي ذيلا بها كل فصل دراسي، وكذلك دمج المفردات العربية مع ما يماثلها من اللغة الإنجليزية؛ إيمانًا من المؤلفين بأن طلاب الجامعات العربية يجب أن يكونوا على دراية بالمفردات الإنجليزية، حتى لو كان تلقّيهم للمادة العلمية باللغة العربية.