د.ثريا العريض

كان بين القضايا التي استحوذت على الاهتمام الإعلامي قضية العاملة التي هوت من الطابق الثاني في محاولة هروب من منزل الكفيل ووقعت في غرفة صيانة الكهرباء فاتهمت مكفولتها بقطع ذراعها. تناولت صحافة بلدها الخبر بالكثير من التهويل والتقطته المنظمات الحقوقية لمهاجمة أنظمة المملكة. ثم اتضح أن العاملة مستقدمة جديدة تخدم سيدة مسنة. حاولت الهرب بمسروقات فسقطت.

معظم الاتهامات التي توجه للأنظمة تأتي من باب عدم حمايتها لحقوق الإنسان, إلا أن معظم القضايا التي تستخدم في إثبات التهمة هي قضايا كهذه مختلف على حقيقة تفاصيلها وتفسيرها؛ لأن من ينشرها ينتقي تفاصيل متحيزة وأحيانا مختلقة لإثبات التهمة وليس تبيُّن صحتها.

حقوق الإنسان أهم منظور يسمو بقضايا الإنسان من مستوى التعامل المتحيز والمعرض للانحراف والظلم, إلى مستوى التعامل بالمساواة الإنسانية. ولكن المنظور نفسه تعرض للتحريف والاستغلال المكيافيللي, فأضحت قضايا حقوق الإنسان اليوم مثل مسمار جحا الأسطوري يستخدمها كل فريق لأغراضه الخاصة. فهي ما يستغله أي فريق لاتهام غيره بعدم الإنسانية في تعامله مع البشر أو الفئات, وبالتالي اهترأت متشوهة من مطالب إصلاح اجتماعي يحقق العدالة إلى وسيلة سياسية مشبوهة للإضرار بالفرقاء. حقوق الإنسان ليست مقصورة على العمالة والمستضعفين والنشطاء. هي مطلوبة للجميع.

لو كنت سأكتب عن حقوق الإنسان بصفة عامة, لما اتسعت لما أود أن أتناول، وأقول آلاف الصفحات من البحوث الموثقة تمتد في تاريخ التحضر البشري والتقنين لتعاملات أفراده ومأسسة تفاعلاته وتوضيح حدود حريات وحقوق الأفراد. حقوق الإنسان المتفق عليها معروفة ومنشورة بكل اللغات. وهي غالبا ترتبط بحق الحياة الكريمة وحق التمتع بالحرية وحق المساواة في الحقوق والمسؤوليات بالآخرين.. وكلها منصوص عليها في الأنظمة الرسمية.ولكن البشر معروفون أيضا بتجاوز الأنظمة وخرق حقوق الآخرين.. ومن هنا تأتي القضايا الحقوقية.. بعضها تسجيل صادق للأحداث السلبية, وبعضها مسخر إعلاميا كوسيلة توصل لأغراض أخرى, غالباً سياسية. ولذلك فقضايا حقوق الإنسان في العالم كله لا تغيب عن الاهتمام الإعلامي.. ولكل بلد ومجتمع قضاياه الخاصة بالإضافة للقضايا العامة التي يشترك فيها الجميع من حيث طلب المساواة في الحقوق الإنسانية وحقوق المواطنة؛ فما هي قضايانا؟

على رأسها يأتي ما يتعلق بعدم التفرقة أو التمييز العنصري في التعامل مع أي فرد مجتمعياً أو رسمياً لأي سبب أو تصنيف فكري أو فئوي. من ذلك على مستوى التعامل المجتمعي وحماية المرأة والعمالة والأطفال, ومن أذى الظلم والتحرش الجنسي, واستلاب الحقوق المشروعة كالميراث والأجر والأمان الحياتي. وعلى المستوى الرسمي حق المواطنة والانتماء والأمن والحماية والخدمات العامة, وعلى المستوى الأسري حق الحماية من الأذى والتسلط من أعضاء الأسرة المتمكنين.

كلمة أخيرة: صحيح أن قضايا الحقوق مسؤولية إنسانية.. على أن لا ننسى التثبت من صحة تفاصيلها وحيادية أهداف الجهات التي تثيرها إعلاميا.