د. عبدالرحمن الشلاش
برزت قضايا المتاجرة بالبشر في بلادنا من خلال أحكام أصدرتها المحكمتان الجزائيتان في مكة المكرمة وجدة، على 23 مقيماً امتهنوا جرائم الاتجار بالبشر، حيث حكمتا على كلِّ واحد منهم بالسجن عشر سنوات والجلد ألف جلدة مع فرض غرامات مالية تراوحت بين 20 ألفاً و100 ألف ريال، إضافة إلى ترحيلهم بعد انتهاء عقوباتهم.
جرائم هؤلاء المقيمين تهريب 14 عاملة منزلية من كفلائهن واستغلالهن وإيهامهن بتوفير فرص عمل لهن لدى أُسر سعودية، ثم إقحامهن في مجالات غير مشروعة نظير دفع مبالغ مالية. لا شك أنّ لرجال الأمن جهوداً كبيرة جداً في ملاحقة المجرمين العابثين في مقدرات الوطن، ولعل عمليات الإطاحة المتتابعة بمجموعات الإجرام دليل على يقظتهم، كما أنّ الأحكام المغلظة من قِبل القضاء السعودي العادل، دليل أكيد على حرص كافة أجهزة الدولة على استتباب الأمن وسيادة العدل والمحافظة على المقدرات العامة.
ربما تبرز هذه القضايا الخطرة المتمثلة في الاتجار بالبشر من خلال هذه الأحكام للمرات الأولى، ورغم أنها لم تصل إلى حد وصفها بالظاهرة، إلاّ أنّ إهمالها قد يؤدي إلى تفاقمها واتساع الدائرة لدرجة قد يصعب معها السيطرة خصوصاً مع انفلات هذه العينات المجرمة من المقيمين العاطلين أو المنفلتين أو الهاربين، فهدف هؤلاء واضح ولا يحتاج إلى تفسير، فجمع المال وبأسهل الطرق هو هدفهم الرئيس، وكنا قد استبشرنا بالحملات التي قامت بها الأجهزة المعنية وكذلك بما حققته من نتائج، إلاّ أنّ الوضع عاد إلى التهدئة مرة أخرى مع عناصر مخربة وجشعة ومجرمة لا ينفع معها إلا التعامل القوي، فإما الإقامة النظامية والعمل من خلال مؤسسات أو كفلاء أو التسفير إلى خارج البلاد، فشرهم ومتاجرتهم بالعمالة الأخرى أسباب كافية جداً لإدانتهم وملاحقتهم.
بعض المقيمين من نوعية من ذكرت يمتهنون أعمالاً مخالفة، فبعضهم يعملون لحسابهم الخاص وبتستر من بعض المواطنين، وآخرين منهم هربوا من كفلائهم وامتهنوا أعمالاً أقل ما يقال عنها أنها غير نظامية أو غير مشروعة، ولعلنا ما زلنا نتذكر سرقة الحديد وأعمدة الإنارة والمتاجرة بالمسروقات، والعمل في تصنيع الخمور وترويج المخدرات، ولا يعتقد أحد أنّ مثل هذه الأعمال قد اختفت أو تقلّصت، ولكن الجديد أنّ المجرمين قد تحولوا لتوظيف المهرّبات من الخادمات، وكذلك من العمالة لجني الأموال الطائلة عن طريق ما يسمّى بالمتاجرة بالبشر.
المتاجرة بالبشر هذه المهنة الجديدة يقوم بها عمالة من بني جلدة العاملات أنفسهن، حيث يلجأون للمتاجرة بهن وتشغيلهن في أعمال مخالفة للنظام أو لا يقرها الدين ولا يرضاها الناس كتهريب المخدرات والدعارة والخدمة في المنازل. الأدهى من ذلك عمليات تشغيل الأطفال وبعض النساء في التسوُّل في الشوارع وعند إشارات المرور وبالقرب من الجوامع والمساجد والمستشفيات وعند أجهزة الصرف الآلي وأمام البنوك، تدير هذه العمليات عصابات خطرة جداً تتولى إسكانهم وإعاشتهم وإيصالهم لمقار أعمالهم لجلب الأموال باستدرار عطف الناس، وبأساليب محكمة جداً ومتنوعة تنجح كثيراً مع طيبة بعض الناس. رغم اتساع رقعة التسول إلا أنه لم يجد بعد الخطة الفعّالة للقضاء عليه نهائياً. المتاجرة بالبشر داء بدأ بالتنامي وإذا ترك ستتسع دائرته وبما يضر بمصالح الناس.