د. عبدالواحد الحميد
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عما يُطلق عليه «الحلول المالية» وذلك في سياق التصدي لمشكلة الإسكان، وهي المشكلة المؤرقة التي تثقل كاهل الكثير من الأسر السعودية، وتسد الأفق أمام الشباب للزواج وبناء أسر سعيدة مستقرة.
ودون التقليل أبداً من الحلول المالية، فإنّ التمويل، وإن كان جزءاً أساسياً من المشكلة، إلا أنه يظل مجرد جزء لا أكثر. فتوفير التمويل عن طريق الاقتراض أو غيره للناس لا يحل المشكلة، بل إنه قد يفاقمها. فما جدوى توفير القروض، ومنها القرض المعجل المثقل بالعيوب، إذا كان معنى ذلك هو توفير السيولة بأي ثمن، ومن ثم زيادة الطلب على الأراضي وعلى العقار ورفع أسعارها؟
إنّ جذر المشكلة هو الاحتكار الفظيع للأراضي، مما أوجد ظاهرة الأراضي البيضاء الشاسعة في قلب المدينة السعودية على امتداد رقعة الوطن. فطالما أنّ هذه الأراضي المملوكة لأشخاص قلائل شعارهم أنّ «الأرض لا تأكل ولا تشرب»، فإنّ توفير السيولة للمواطنين سوف يجعل هذه السيولة تصب في نهاية المطاف في جيوب أصحاب الأراضي.
وقد قرأنا تصريحات وزير الإسكان الذي استبق مناقشة مجلس الشورى لفرض رسوم على الأراضي البيضاء، وقال إنّ مبلغ الرسوم لا يتجاوز مائة ريال للمتر المربع، فماذا تمثل من عبء هذه المائة ريال على محتكري الأراضي الذين يمكنهم احتمالها، وهم الذين يبيعون المتر الواحد بما قد يصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة آلاف ريال؟
إنّ رسوم الأراضي البيضاء ستكون خطوة رائعة فقط عندما نعرف التفاصيل. وبالطبع نحن لا نتوقع أن يأتي التنظيم بمثابة «طبطبة على أكتاف» أصحاب الأراضي البيضاء التي تحتل ما يتجاوز سبعين بالمائة من مساحات بعض المدن داخل النطاقات العمرانية، وإنما نتوقع ونريد أن يكون القرار بمثابة كسر للاحتكار الكريه الذي حرم المواطن من تملُّك مسكن يؤويه في وطنه.
وباختصار، فإنّ التركيز المتزايد في الحديث عن توفير التمويل هو تركيز على جانب الطلب، وهو الأمر الذي يعجب من يبيع الأرض والعقار، في حين أن الصورة لا تكتمل كما يعرف أي اقتصادي أو غير اقتصادي، إلا عندما نأخذ أيضاً جانب العرض في الحسبان؛ هذا العرض الذي تقيّده الاحتكارات لكي تحافظ على الأسعار الخيالية للأراضي.