محمد آل الشيخ
تعتمد المملكة في مداخيلها الوطنية بصفة أساسية على مبيعاتها من النفط، فهو شريان الاقتصاد الأول لبلدنا كما هو معروف، غير أن عوائد النفط لم تعد كما كانت في الماضي القريب، إِذْ تدنّت أسعاره إلى ما يقارب 50 في المئة، وهذا يعني أن ما كنا نعتمد عليه في تمويل الاقتصاد يجب أن نتدبر له مُسانداً من شأنه أن يسد احتياجاتنا المالية التي تتزايد مع كل يوم جديد، وهو ما يفرض علينا قسراً استثمار ما هو متاح من موارد اقتصادية وطنية، وتنميتها، وكذلك تنمية البيئة الثقافية التي تحتضن هذه الموارد ومعها الإِنسان طبعاً، لكي يكون قادراً على تشغيلها لتكون عوائدها في المحصلة قادرة على سد تمويل الاقتصاد، بما يحقق هدفين استراتيجيين:
أولهما أن يكون مصدراً لتمويل نقص أسعار البترول المنخفضة، بتشغيل المرافق الأخرى الاستثمارية ذاتياً، أو من خلال آخرين من الخارج.
الثاني: امتصاص البطالة ذكوراً وإناثاً، وتحويل سواعدهم إلى سواعد معطاءة بناءة لا أفواها شرهة كسولة، تأكل ولا تنتج، وتستعطي ولا تعطي، وفي المضمون كبح جماح البطالة وتدني فرص العمل، الذي هو بمثابة الملف الخطير الذي له علاقة بالأمن واستتباب الاستقرار.
كما أن كل الدول التي نمت وبلغت شأواً رفيعاً من التنمية في مسار التقدم الإِنساني، لم يتحقق لها ذلك إلا من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وكذلك إتاحة الفرصة واسعة لإبقاء استثمارات مواطنيها داخل أوطانهم، وهذا من ضروريات التنمية الاقتصادية في كل أصقاع العالم قاطبة.
ولتحقيق هذا الهدف الذي لا خيار أمامنا إلا العمل على تحقيقه، فلا مناص من مواجهة الحقيقة التي تقول إن مخرجات تعليمنا سواء التعليم العام، أو الجامعي، وكذلك ما فوق الجامعي، لا تتناسب مع متطلبات التنمية الشاملة، بل ولا متطلبات الحاضر ولا المستقبل؛ فهو من حيث المنهج أو المعلم يجري في نسق تغلب عليه (الماضوية)، نوعاً وكماً. وما لم نواجه هذه الحقيقة التي لا مناص من مواجهتها، فلن نبرح مكاننا قيد أنملة. صحيح أن خطوة كهذه تحتاج عزماً لا يلين، ومثابرة لا تعرف الكلل ولا الملل، وزمناً طويلاً نسبياً، إلا أننا إذا لم نبدأ بها، ونضرب بيد من حديد على مناوئها، أياً كانوا، ومهما كانت ذرائعهم، فإنَّ المستقبل، وربما المستقبل القريب، سيكون مظلماً؛ بل لا بد من القول هنا إن خطوة كهذه هي اليوم، وبالنسبة للدول المعاصرة بمثابة شرط البقاء.
وإذا كان إصلاح التعليم إصلاحاً نوعياً، لاستثمار مخرجاته تنموياً، يتطلب نسبياً زمناً ليس بالقصير، والقضية ملحة، وقد لا تمهلنا سلبياتها طويلاً، فلا بد من الإسراع بتذليل العوائق التي تقف عقبة كأداء في تنويع مصادر الدخل، وأهمها ما له علاقة بجذب المستثمر الأجنبي إلى الداخل خاصة في ما يتعلق بتشغيل الشباب والشابات بإعداد كبيرة في المجالات الترفيهية والسياحية والمهرجانات الرياضية العالمية مثلاً ولا سيما أن بلدنا ما يزال في هذه المضامير في غاية التخلف، وكذلك العمل على إبقاء الرساميل الوطنية الضخمة في الداخل بدلاً من هجرتها إلى الخارج. وغني عن القول إن هذه العقبات التي تقف أمام هذه المناشط وتفعيلها بشكل مجدٍ هو التزمت السلفي الضارب بأطنابه في بيئتنا، الذي استغله فيما بعد المتأسلمون المسيسون الانتهازيون بغرض إسقاط الدولة كما يطمحون، فاتخذوا منه ذريعة لإيقاف التنمية الشاملة، رغم أنهم يدركون تمام الإدراك أن مجتمعات الدول المعاصرة هي مثل الدورة الدموية للإِنسان، إذا توقفت عن الجريان توقفت الحياة. لذلك لجأت هذه الفئة المغرضة إلى الموروث السلفي، وأعادوا إنتاجه، فأضافوا إليه مصطلحات تضليلية جديدة، وباعوه على المواطن لتسييس الدين فوقع في مصيدتهم دون أن يعي.. نعم كان كثير من مشايخنا السلفيون متشددون ويرفضون الجديد غير أن أهدافهم لم تكن مسيسة، كما هو شأن خلفهم من السلفيين الذي لوثهم (التأخون)، فاختلط عليهم الأمر، وصعبت عليهم المسالك، حتى نسي بعضهم، أو تناسى البعض الاخر، أن (الأصل في الأمور الإباحة)، وكذلك (أينما كانت المصالح فثم شرع الله)، وقوله - صلى الله عليه وسلَّم - (ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليهم)، والشفاء هنا كلمة شاملة وليست قصراً على أمراض الأبدان.
وفي الختام أقول بملء فمي: من يظن أن شرعية بقاء الدول واستمرارها هي في الحفاظ على الأيديولوجيا، أياً كان مصدرها فما الذي أسقط إذاً الاتحاد السوفييتي، وما الذي جعل إيران الملالي تسعى بخطى حثيثة نحو الانهيار؟
إلى اللقاء