ناصر الصِرامي
أولاً، دعني أسالك عن آخر مرة قرأت فيها مجلة..؟
أو تابعت سلسلة مقالات في صحيفة ورقية..؟
قد لا تتذكر.. إلا إن كنت ممَّن يسافر بالطائرة بين وقت وآخر..
هناك تقلب الصحف والمجلات؛ ليمضي وقت الرحلة..؟
يحدث معي أحياناً كثيرة، وأنا أقرأ مقالاً أو مادة صحفية عبر مطبوعة ورقية، أن أبحث بحماسة عن زر «لايك»، أو «رتويت»، للمشاركة مع الآخرين، ثم أبتسم وألقي المطبوعة جانباً بحماسة أقل، وقد أصور المادة التي أعجبتني بهاتفي؛ لأعود لها مع أول اتصال بالإنترنت!
لاحظ أنني لم أقل هاتفي الجوال أو الخلوي.. إلخ.. لكن أنت فهمت أنه المقصود، ليس السبب ذكر الطائرة فقط، بل لأن هواتفنا أصبحت متجولة معنا.. هل تتذكر آخر مرة استخدمت فيها الهاتف الثابت خارج مكتبك..؟!
- أنا لا أتذكر بصراحة..!
بالتأكيد، لقد تغيرت الكثير من عاداتنا التقليدية، وفي مقدمتها الآن طريقة قراءتنا ومطالعتنا للصحف، بل لكل المطبوعات دون استثناء؟
لدينا قابلية كبيرة للتغير والتأقلم مع الأشياء والأفكار الجديدة، لكن لتوسيع الدائرة تلك نحتاج ونتطلب مرونة، مرونة تبدأ بفتح الأذهان وآفاقها لقبول ما هو خارجها، خارج سياقاتها التقليدية.. وتلك قصة أخرى!
لكن في تحولات الإعلام، وفي المؤسسات الصحفية تحديداً، ليس مهماً على الإطلاق علاقتك بالورق، كيف كانت، وكيف هي الآن، وكيف ستكون..؟!
لأنه، وببساطة، مهما تقلص استخدام «الورق»، أو حتى فُقِد ومات وتلاشى استخدامه لطباعة المقالات والتقارير والقصص، فإن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال.. لا يعني موت الصحف ومؤسساتها..!
«الورق» ليس إلا وسيطاً لنقل المعلومات والأخبار والمقالات والتقارير وغيرها، كما هو الحال مع كايبل وشاشات المحطات التلفزيونية والفضائية.
التحوُّل في الوسائط والصحف التي تتطور باستمرار من أجل الاقتراب من لغة العصر.. من جيله ومفاهيمه ومتطلباته، ومساحة حريته.
تبقى الصحف والمؤسسات الإعلامية في مدارها الأشمل، والثابت أيضاً؛ إذ مهمتها الأساسية: «صناعة المحتوى»، والمحتوى الموثوق. هذه هي القيمة والدور الذي لا يمكن أن ينازعها عليه أحد، أو يتفوق عليها فيه أفراد مهما بلغت فعاليتهم ونشاطهم على الشبكات.
الذي يختلف وسيختلف باستمرار طريقة نقل وتوزيع المحتوى، والمتطور مع تطور الوسائط هو حرية نشره (المحتوى)، وحرية الوصول إليه، وهي حرية أصبحت جزءاً أساساً من حقوق الإنسان على كوكبنا.
تتبدل علاقتنا بالوسائط الخاصة التي تنقل الأخبار والمعلومات والمقالات والأفكار والتقارير، لكن علاقتنا بالمحتوى وجودته ومصداقيته وإثارته ثابتة. وهنا يكمن سوء الفهم الكبير عند الحديث عن موت الصحافة الورقية، أو الإعلام التقليدي!