محمد أبا الخيل
بحكم عملي في التوظيف الأهلي، وحاجتنا لتوثيق السيرة العملية والتأهيلية للمرشحين للوظائف التي نتولى البحث عن مؤهلين لها، نواجه معضلة كثرة المؤسسات التعليمية والتدريبية سواء في داخل المملكة أو خارجها، وغياب مرجعية تصنيف لتلك المؤسسات، وتفاوت وسيلة التأهيل في تلك المؤسسات، فمنها من يقتضي الحضور في فصول الدراسة ومعامل التدريب، ومنها ما يشمل التطبيق في واقع عملي، ومنها ما يكتفي بالدراسة عن بعد، ومنها ما يخلط بين هذا وذاك، هذا إلى جانب اختلاف تلك المؤسسات في اعتماد (الإجادة) أو الشهادة، فبعضها يعتمد اختبارات تعتمد قياس المحتوى المعرفي المحصل لدى الدارس، وبعضها يعتمد التقييم بناء على معايير التفاعل والمشاهدة وانطباع المعلم أو المدرب، وبعضها يمنح شهادة (اجتياز) وليس شهادة (تحصيل).
كثرة المؤسسات التعليمية والتدريبية هو سمة حضارية ورافد من روافد التنمية، وعلينا أن نشجع ذلك ونهيئ الفرص والحوافز للمزيد من هذه المؤسسات وتنوعها وتخصصها ومراقبة أداءها ووضع معايير جودة لها تطالب دورياً بإثبات الالتزام بها، وفي المقابل نشجع المواطنين باعتماد التعليم المستدام ,حيث لا يكتفى بالتعليم العام أو الأكاديمي للحصول على الوظيفة بل يضاف لذلك المهارات العملية والمتخصصة وعلى الموظف أن لا يركن لما حصل عليه من تعليم أهله للوظيفة، فلابد له من اكتساب مهارات ومعارف جديدة كلما سنحت له الفرصة، وفي الحالتين الدولة مطالبة بدعم المؤسسات التعليمية والتدريبية بالقروض الميسرة والإعانات خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعاقد مع جهات أجنبية بهدف نقل تقنية أو معرفة ذات قيمة حضارية وصناعية، وكذلك دعم القطاع الخاص في تحمل بعض نفقات التعليم والتدريب المستدام للموظفين ومن خلال صندوق تنمية الموارد البشرية.
إن تنمية قطاع التعليم والتدريب في المملكة يستلزم بنية نظامية وتنظيمية صلبة، وجهاز رقابي موحد يتولى الترخيص والتقييم بحيث تتحقق الجودة النوعية لتلك المؤسسات، وأنا هنا أتكلم عن المؤسسات التعليمية والتدريبية الخاصة، فمؤسسات القطاع العام يفترض أن الجودة النوعية أساس في تكوينها، فالجودة النوعية في الإدارة والمناهج والمعامل والهيئة التعليمية والتدريبية هي الحافز للثقة بهذه المؤسسات وبالتالي تكون محور تنافسها، وليس التنافس على رخص رسوم الدراسة والتحصيل، وهو ما هو سائد الآن، وهنا لا بد من الإشادة بجهود المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني على ما تقوم به بصورة مستمرة في سبيل تحسين واقع التدريب التقني والفني رغم ما تواجه من تحديات.
أحد تحديات جودة التعليم والتدريب هو كون المؤسسة التعليمية أو التدريبية تمنح شهادات (إجادة) للمتخرجين منها، وهم بتلك الشهادات يسعون لتحسين واقعهم الوظيفي، لذا كثير ما تبرز معضلة مصداقية تلك (الإجادة) فهناك متخرجين يحملون شهادة (إجادة) في اللغة الإنجليزية لا يحسنون الحديث بها أو الكتابة بلغة سليمة، وهناك شهادات (إجادة) بتخصصات صحية أو مهنية لا يتقنون ما تعلموه، لذا بات من الواضح أن أحد عوامل المنافسة بين تلك المؤسسات هو سهولة الحصول على شهادة (الإجادة)، لذا لابد من الفصل بين عملية التعليم والتدريب و(الإجادة) المهنية، فتمنح المؤسسات التعليمية والتدريبية حق إصدار شهادات (اجتياز)، في حين يجري الترخيص للجمعيات المهنية ومؤسسات خاصة مستقلة إجراء اختبارات مهنية من خلالها يجرى منح شهادات (الإجادة) المهنية، وتكون هذه المؤسسات تحت رقابة صارمة لعدم فقدانها المصداقية.
لاشك أن عملية تنظيم التعليم والتدريب هي عملية شاقة ولها تحدياتها ولم تحقق أي بلد في العالم تنظيم موثوق (100%) ولكن علينا أن نسعى للتحسين قدر المستطاع فهذا القطاع هو القطاع الأهم في عملية رفع كفاية القدرة الإنتاجية للفرد والاقتصاد بصورة عامة.