د. حمزة السالم
في مقابلة لسعادة السفير عبد الله المعلمي، ممثلنا في الأمم المتحدة، مع قناة البي بي سي، حول سوريا، أكد المعلمي على حتمية زوال الأسد مستشهدا بانتهاك الأسد لحقوق الإنسان. فقامت المذيعة، فقلبت استشهاد المعلمي حجة لها، وساندت حجتها بأن استشهدت بأن زعامة السعودية لحقوق الإنسان لا تتناسب مع التهم التي يرددها البعض ضد بلادنا، في الساحة الدولية. (وذلك بسبب صمتنا وعدم الرد بالحجة المنطقية المفحمة).
فجاءت إجابة المعلمي خارجة عن السياق، فكشف لها عن أسرار دبلوماسية مسكوت عنها خارج دهاليز الأمم المتحدة. فبين للمذيعة بأنها واهمة في اعتقادها بأن اختيار السعودية لترأس مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة كان بسبب ثقة حكومات العالم بسجل الحكومة السعودية المشرف في حقوق الإنسان، بل إن الاختيار جاء بسبب اتفاقيات تُبرم صفقاتها خلف أبواب الدبلوماسية المغلقة.
فأباح السفير بما لا يجب عليه البوح به، فحرق حجة قدمتها المذيعة له فقلبها ضدنا. ونفى شهادة حكومات العالم للسعودية لها. فأثبت التهم بإشارة مفهوم المخالفة المتضمن في السر الذي كشفه. وأكد رسميا الإشاعات والتسريبات، بأن صفقات عقدت كانت هي السبب في اختيار المملكة لا سجلها الجيد في حقوق الإنسان. فأوقع السفير أصدقاءنا الدبلوماسيين في حرج الصحافة، وورط زعماء الدول الحليفة، وعلى رأسهم الرئيس البريطاني الذي حاصره اعلاميو بلاده، بسبب ذلك. فحديث المعلمي يُعد سابقة في تاريخ التسريبات، فلأول مرة يصرح مسئول وهو على رأس العمل، بتأكيدات لتسريبات سلبية مصادرها مجهولة.
والعجيب أن الرجل طيلة اللقاء، كان متبعا لأسلوب الإنكار والتجاهل، والتبرؤ لذات شخصه - تصريحا وتلميحا- من التهم التي تُتهم بها بلادنا التي يمثلها. فما إن ذكرت المذيعة، رئاسة المملكة لحقوق الإنسان، حتى خرج متعالما متعاليا بشفافية في غير محلها، فنشر علما واجبٌ كتمانه.
فسعادة السفير أصر على إنكار معرفته لكثير من الأمور التي تضج بها الساحة الدولية، والتي يتعرض هو لها يوميا بحكم عمله كممثل للملكة في رئاستها لحقوق الإنسان. فتجاهله لمعرفته بها، لهو إشارة صريحة لتبرئة ذاته بجهله عما نهتم به، مع تضمينه إشارة لعدم إنكاره للتهمة.
وخطاب المذيعة وإن كان فيه عدائية، إلا أن الاستفزاز هو من مهام الصحفي والمحاور، كما أن الهدوء والرزينة هي أهم صفات الدبلوماسي. فيا ليت السفير ابتعد عن الحدة، ولزم اتباع السياسة السعودية الخارجية في رزانتها وهدوءها وثقتها العملية، والتي تجسدت في الوزير الخلف وفي الوزير السلف. فيا ليته يتدرع بمنطقية لغتهم الرزينة العلمية في حال دفعهم في المساءلات، ويا ليته يتسلح بعقلانية لغتهم الهادئة في حال إقبالهم في المناظرات.
فسفيرنا لدى الأمم المتحدة، كما يظهر لي، أنه متأثر بلغة سفراء دول الثورات والإضطرابات، فلغتهم الدبلوماسية معروفة بأنها لغة متشجنة متعالية متعالمة متحدية. فلم نسمع الفيصل قال قط، ولم ولن نسمع الجبير يقول أبدا: إن أموالنا الذي نشتري بها السلاح منكم تصب في اقتصادكم، وهي التي تشغلكم وترزقكم! هذه ليست لغة سعودية فضلا عن أن تكون لغة دبلوماسية.
وياليت السفير المعلمي بدلا من الرد بالتهكم والاستخفاف لجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان، قلب المحاجة على المذيعة فاحتج بانتخاب العالم للسعودية لزعامة حقوق الإنسان، واستدل بأن للحكومات مصادر مطلعة تكشف لهم الحقائق، ما ليس عند المنظمات.
فاستخفاف المعلمي بمنظمات حقوق الإنسان والتهكم بهم، وهو يمثل بلادنا التي تتربع على أعلى مجلس لحقوق الإنسان، فيه تناقض بعيد ومعاني لا أعتقد أنه يجدر أن تفهم عن بلادنا. كما أن في الاستخفاف بالمنظمات وإنكار عددهم ودورهم، يعطي إشارات سلبية عن دور بلادنا في المحافل الدولية.
وهذا فضلا عن أن هذه المنظمات التي تهكم بها المعلمي لها اعتبارية كبيرة في الأمم المتحدة كما يقف خلفها مناصرون كثر. ولهم وزنهم في الرأي الشعبي الغربي. وليس من الحكمة استجلاب كراهية من غير حاجة.
يا سفيرنا وممثلنا أمام العالم، حديثك يمثل كل مواطن سعودي، وأنا مواطن سعودي واسمح لي أن أبلغك الصورة التي أريدها أن تمثلني عالميا. أنا أعتقد جازما أن اختيار بلادي لسدة زعامة حقوق الإنسان عالميا، إنما جاء من ثقة بلاد العالم بحكومتي الرشيدة، ولم يكن بسبب صفقات تبادلية سرية في دهاليز الأمم المتحدة، فهذا إن كان وحصل فهو يتبع البروتكول السياسي لا أصل له في الشهادة العالمية بالثقة.
وزعامتنا لحقوق الإنسان، شهادة عالمية دولية. وبلادي، المملكة العربية السعودية، وإن كانت غنية عن الشهادة، إلا أنها تعين في إلجام المُغرض المجادل وفي تنبيه الغافل والجاهل، عما يثار حول بلادي من أكاذيب.
والتهم التي ينشرها المغرضون ويرددها البعض ممن لا يعلم الحقائق، إنما انتشرت بسبب صمتنا، أو بسبب حديث ضرره أكبر من صمت متحدثه.
وندائي لممثلي بلادنا أمام العالم: إن فيكم متحدثين كثر، ومفكرين عظماء شبابا وشيبا، فلا تُحبط هممكم إقصاء المسئول وحسد المدير والقرين، ولكم في وزيركم الميمون -عادل الجبير- قدوة ومثالا.
وسأبين في مقال السبت ما أعتقد أنه مثال للرد المناسب على مثل تلك المذيعة البريطانية، فأسئلتها لم تكن فجائية، فهي تردد كثيرا في المحافل الدولية. فليكن كل واحد منكم فارسا نكرة على ثغر، كوزيركم عادل الجبير، يوم تصدى لطوفان الإشاعات وهجمة الإعلام الأمريكي في حادثة سبتمبر.