د. محمد عبدالله العوين
لكي أكون عادلاً لابد أن أمتلئ بالغبطة كما أظن أنكم تمتلئون أيضا وتبتهجون بما نرى ونقرأ ونسمع عن مئات المتفوقين والعباقرة في مختلف العلوم والمعارف، يتخرجون في جامعاتنا وفي جامعات عالمية مرموقة مشهود لها بالجد والانضباط واتباع أعلى درجات المحاسبة في البحوث والدراسات والتقويم ومنح الدرجات العلمية، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق.
لا شك أننا نشعر جميعا بسعادة غامرة حينما نقرأ عن باحثة أو باحث يصل إلى كشف جديد في الطب بفروعه المختلفة أو الاختراعات الصناعية أو علوم البيئة والمناخ وتكنولوجيا الاتصال وغيره ، ولم يعد أمرا مثيرا للاستغراب أو الدهشة حين تعلن جامعة عالمية تفوق طالب سعودي على أقرانه من الطلاب الأمريكيين وغيرهم وحصوله على الدرجة الكاملة ، أو طلب الجامعة أن يظل معيدا فيها أو أستاذا أو طبيبا ناجحا عاملا في أي مستشفى بعد تخرجه وحصوله على الدكتوراه واكتشافه تقنية علاجية جديدة.
وهو الأمر نفسه في مستوى عدد كبير ممن يتخرجون في جامعات المملكة بتخصصاتها المختلفة ؛ وعلى الأخص منها ما ينحو منحى علميا تطبيقيا ؛ كجامعة الملك فهد وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية؛ لما عرف عن هاتين الجامعتين من انضباط شديد ومحاسبة دقيقة وتحقيق نسبة كبيرة في البحوث المتميزة.
أما وقد عرضت الجانب المبهج الذي نفخر به أمام العالم ، ونرفع به رؤوسنا ، ونتحدث به في المحافل دليلا واقعيا على نجاحنا في جانب مهم من خطط التنمية ؛ وهو صناعة العقل الذكي المتفوق المبادر القادر على إدارة مشروع النهضة في المملكة برؤية تستشرف المستقبل الواعد الذي نطمح إليه من خلال أميز خريجي الابتعاث، وإذا كانت الدولة - وفقها الله - قد ابتعثت مائتي ألف دارس ؛ فإن خمسين ألفا مميزا مبتكرا متوهجا متحمسا للعمل وللعطاء ولنقل بلاده إلى مصاف الدول المتقدمة التي درس فيها؛ فنحن نسير في الطريق الصحيح؛ إذ لا يمكن أن يحقق المبتعثون جميعهم درجة التفوق والتميز والابتكار.
سأقلب الصفحة البيضاء المبهجة إلى الصفحة الأخرى المقلقة غير المسعدة ؛ فإذا كنا نفرح بمن وصفت تفوقهم فإننا أيضا نجد أعدادا كبيرة من المتخرجين في جامعاتنا أو ممن لا زالوا على مقاعد الدرس لا يمكن أبدا أن يصدق أحد ممن يجلس إليهم أو يسمع منهم حينما يقرؤون سطرا من كتاب أو يكتبون جملة إنشائية أنهم قد قرؤوا كتابا واحدا قراءة صحيحة أو تعلموا قواعد الكتابة والإملاء!
هل يصدق من يقرأ هذا المقال المؤسي والمؤلم في صفحته الثانية غير المبهجة أن طالبا يدرس في كلية اللغة العربية لا يعرف علامة نصب الاسم الظاهر أو رفعه؟ ولا يعلم معنى علم «النحو» ولا يمكن أن ينطق جملة واحدة من سطر بأسلوب صحيح؟!
إنه لأمر بالغ الألم حقا ؛ لكن عليك ألا يأخذك العجب إن قرأتَ سطرا واحد إنشائيا لأحدالطلاب من هذه الشاكلة لم يوفق كاتبه لا في الإملاء ولا في النحو ولا في الأسلوب السليم!
عليك ألا تتألم من همزة ضلت السبيل عن مكانها الصحيح ، أو تاء مفتوحة أو مربوطة تبادلتا المواقع ، أو ألف ممدودة أو مقصورة وضعا في غير موضعهما!
عليك ألا تتألم حين لا تستمع من قارئ إلى إلقاء سليم خال من اللحن أو الجهل بعلامات الترقيم أو من عجن الكلمات عجنا لا يبين عن معنى!
من علم هؤلاء الجهل ؟! من منحهم الشهادات ؟ وكيف يمكن أن يمارسوا بعد أن يتخرجوا دورة إعادة الجهل من جديد إلى الأجيال اللاحقة؟!
إنه تعليمنا؛ تعليمنا الذي يعاني من علل مزمنة كامنة في مستوى كثيرين من المعلمين وفي طرائق التعليم وفي نظام المحاسبة والتقويم.
إن أردنا أن نبتهج بالنصف الأول من هذا المقال دون أن نكتئب بالنصف الثاني منه فعلينا أن نعترف بأن تعليمنا مريض مرضا مزمنا لا بد له من نطاسي بارع يصف الدواء، وإن لم نفعل؛ فإننا نسير في نهضتنا على قدم واحدة عرجاء!