د. عبد الله المعيلي
أمر بدهي أن تحصل تحولات وتغيرات سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الأفكار، فالفرد ينمو مع توالي الأيام والسنين، فهو في مرحلة الطفولة المبكرة غيره في مرحلته المتأخرة، ويتحول من حال إلى أخرى في مرحلة المراهقة والشباب، ثم الرجولة فالكهولة، الحال نفسها تنطبق على المجتمعات والأفكار، فالمجتمعات تنمو وتتطور في بنيتها وشكلها وعلاقاتها، والأفكار كذلك تنمو وتتطور وتتبدل محتوى وممارسة، تقبلا ورفضا.
والتربية من أكثر العلوم الإنسانية نموا وتطورا، ويعد التعليم أحد الركائز الرئيسة التي تعتمد عليها المجتمعات في التكوين والتربية، وعملياته تحتاج إلى متابعة لا تتثاءب أبدا نظرا لما للتعليم من قيمة وتأثير في حياة الأمم وتكوينها وفق الأطر العامة للمجتمع ومسلماته وأهدافه.
ولكون الأطراف المعنية بالتعليم متعددة متداخلة، فالإدارة التربوية والمعلم والطالب والبيئة المدرسية والمرافق التعليمية ومصادر التعلم والمعامل والمختبرات وأولياء أمور الطلاب، كلها أطراف ذات صلة بعمليات التعلم والتعليم، وكلها يحتاج إلى تتبع ومتابعة، فأي خلل في واحدة منها أو تقصير يؤدي إلى تأخر عن مسيرة المواكبة والمنافسة.
لهذا تم العدول عن مصطلح التفتيش الذي يعتمد على البحث عن أو التقصير، ومن ثم تدوينها في سجل خاص في المدرسة ليقوم المدير بمعالجة هذا التقصير بالتنسيق مع الجهات المختصة لاستكمال متطلبات المعالجة التي غالبا ما تكون إدارية وتنظيمية.
واعتمد مفهوم التوجيه التربوي أسلوبا لمتابعة التعليم وعناصر عمليات التعلم كافة، إلا أن واقع الممارسة الفعلية اقتصرت على متابعة أداءات المعلمين فقط، من خلال زيارات روتينية تنتهي بجملة من التوجيهات اللفظية المكررة، والتي لم يستفد منها المعلم، ولا أثر لها في تطوير أدائه، وبقي التفتيش مقتصرا على متابعة الشؤون الإدارية والتنظيمية.
وتغير المفهوم إلى ما هو قائم اليوم (الإشراف التربوي) وبعد حوالي العقدين من اعتماد هذا المفهوم الذي يفترض أنه يمثل تحولا في الممارسة العملية لمتابعة الميدان التربوي وعمليات التعليم وتطويرها، إلا أن واقع الحالي يشهد بأن (حليمة مازالت على عادتها القديمة)، سواء من حيث الممارسة أو من حيث المفهوم.
فمن حيث الممارسة، مازالت الزيارات الميدانية للمدارس من أجل الوقوف على أداء المعلم داخل الفصل تشكل العمود الفقري لما يفترض تقديمه من أوجه المساعدة للمعلمين، فالاهتمام أصلا متجه إلى أداء المعلم، حيث يسجل المشرف التربوي في ضوء زيارته جملة من التوجيهات والعبارات الإنشائية التي يغلب على صيغها (ينبغي - يجب)، وكلها صيغ طالما وجهت للمعلمين على اختلاف تخصصاتهم لكنها لم تغير من واقع أدائهم.
يوقع المعلم بالعلم على توجيهات المشرف، توجيهات عامة لا يجد فيها المعلم ما يعينه على تطوير ذاته وتغيير أساليبه، بعدئذ يخرج المشرف التربوي من المدرسة على مظنة تكرار الزيارة حسب المتاح من وقته فيما يتبقى من العام الدراسي، وواقع الحال يشهد أنه قل أن تتاح فرصة لزيارة ثانية في العام الدراسي نفسه.
المؤكد أن المعلم سوف يزار في العام التالي، من المشرف التربوي نفسه الذي زاره في العام الماضي أو مشرف آخر، لكن المؤسف أن المعلم سيجد في سجل الإشراف التوجيهات نفسها التي كتبت له سابقا، أعيدت كتابتها مرة أخرى، بالصيغة نفسها أو مقاربة لها، صيغ عامة لا تساعد على تجاوز أوجه النقص والتقصير في الأداء التربوي والتعليمي للمعلم.
وخروجا من هذه الدوائر المغلقة، لا بد من اعتماد القياس والتقويم، بحيث تجرى اختبارات تشخيصية وأخرى تكوينية توظف نتائجها باعتبارها مرآة يرى فيها المعلم ثمرة جهده، بحيث يسعى المعلم شخصيا ومن يساعده إلى تغيير وتطوير الطرائق التدريسية والأساليب التربوية التي يجب أن يتبعها لاحقا ليتمكنوا من المهارات التي أخفقوا فيها، وبهذا يرتقي بتحصيل طلابه إلى الأفضل.