كوثر الأربش
يمكنني تحديد ثلاثة مضامين هامة على ضوء كلمة الملك سلمان في لقائه بالإعلاميين والكتّاب والفنانين. التي نالني شرف حضورها ضمن المدعوين والمدعوات. في لفتة دبلوماسية متطلعة بأهمية الخيط الممتد بين المثقف والسلطة. المثقف الذي يمثّل دائماً واجهة تعريفية، خارجية وداخلية للبلاد، أي بلاد.
المضمون الأول:
أولاً: الإشارة في غير مرة إلى أن دستور المملكة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقرآن والسنة. وأرى هنا جواباً مختصراً عن سياسة المملكة الداخلية والخارجية، فالقرآن بكل ما يحمله من مفاهيم وقيم وحقوق وأفكار ومعاملات، عند تطبيقه - كما حث الملك - فإننا في صدد بناء دولة عدالة، قائمة على حماية إنسان الداخل وأرضه وحقوقه وعلاقاته الدولية، وأيضاً قائمة على احترام الجوار والتعاون المثمر مع العالم من حولنا. إننا نتكلم عن إسلام النبي محمد وصحابته الأخيار، والرعيل الأول، وليس إسلام التنظيمات التكفيرية التي حاولت تصدير نسخته الدموية والإرهابية للعالم، ليس الإسلام القشري والوصولي الذي تتخفى وراءه إيران، لتنفذ من خلاله أطماعها وتشبع شراستها في التمدد شرقاً وغرباً. ليس الإسلام الذي تحاول العلمانية تفريغه من مقاصده ومن ثم تحيّده كنظام غير صالح لهذا الزمان. إننا نتحدث عن أنموذج مثالي للإسلام. منظومة أخلاقية أولاً، ومعرفية، ومعاملاتية، وروحية. منظومة لخلق عدالة متمثلة في بلاد وإنسانها. ثانياً: إلغاء الحد الجغرافي والإستراتيجي للمملكة وتأكيد دور البعد الديني. دلالة على أن الرؤية في صناعة القرار ليست قائمة على حماية من يسكن الحد الجغرافي، إنما حماية الجميع. وهذه رؤية عالمية غير أنانية وإنسانية، تنم على أنه اهتمام كوني، فالحكومة السعودية في أكثر من مرة خاطبت مجلس الأمم المتحدة بغضب نظراً لصمتها عن بعض السلوكيات غير الإنسانية التي يراها ويسكت عنها. الملك هنا وبرؤية واسعة لا يؤكد على الإيمان بالحد الجغرافي أو البعد الجنوسي. فالدين لا يقف عند عرق أو طائفية.
المضمون الثاني:
الفخر بعروبة الرسول وعروبة لغة القرآن. وهو ملمح هام، في الوقت الذي نواجه فيه محاولات خبيثة في طمس الهوية العربية في سوريا والعراق واليمن. إن كل شيء يمكن تغييره عقلاً، بإمكانك تغيير هندامك، موسيقاك، هوايتك، مدينتك، عملك وحتى اسمك لو أردت، لكنك لن يمكنك أن تغيّر حقيقة عروبتك. إن هذا أحد الثوابت التي لا يسع طامع أن يزيفها أو يختطفها. وهو بالمناسبة فخر مبرر، ومرتبط بلغة القرآن والرسول، ما يعطيه سمة علوية سامية، وليس فخراً عنصرياً متعالياً على الآخر.
المضمون الثالث: تدشين عهد جديد للإعلام الناصح، ما بين إعلام مؤلب، وإعلام متملق. «رحم الله من أهدى إلي عيوبي» بكلمة الملك تلك، إرشاد لكل صاحب قلم وفكر أن يسخّر رسالته للنصح وعدم التواني عن تقديم المقترحات والرؤى التي تصب في خدمة صاحب القرار في المملكة. ما زاد الأمر تسهيلاً عندما قال: «تلفوناتنا مفتوحة، مجالسنا مفتوحة» بمعنى أننا جاهزون تماماً لأخذ كل المقترحات بعين الاعتبار. وأن صناعة القرار ليست حالة فردية، بل عملية تكاملية، أشرك فيها المثقف أيضاً.