كوثر الأربش
إن التردي الأخلاقي الذي نعيشه اليوم، ليس إلا ظاهرة من ظواهر اضمحلال الدين الوجداني في النفوس، أي عندما اختطف الماديون روحانية الدين وسلحوه بالبندقية والقنبلة!
ذهب الإنسان المتدين/ الأخلاقي أدراج الماضي، أضحت كلمة الأخلاق إحدى مفردات الوهم والشاعرية والمثالية، أصبحت الأخلاق يوتوبيا مبنية على موجة. حل محله إنسان الفراغ الهائل، إنسان ديني ظاهراً، دارويني باطناً. وأنا هنا لا أسيء للعلم ولنظرية التطور لأنها تبقى نظرية علمية، والعلم لا يستحي من الإثبات والرد. لكنني أوجه سبابة الاتهام للماديين الذين توشحوا باللحى والعمائم!
ماذا يعني أن تستخدم عبارات صوفية للتحكم في إرادة الناس، أن تحولهم من حرية الاختيار لعبودية الإتباع؟ كل ذاك، تحت مسمى نصرة الحق والدين. أعني ما يشبه قولك أنك عازف عن الدنيا ثم تستخدم السلاح لاحتلال ثروات الأرض. هل تفهمني؟
إن الخطاب الديني اليوم، وبكل أسف، سبّب اغتراباً للإنسانية، الإنسانية التي تحولك حضناً، حساً، طاقة خلق، عاطفة واقفة على قدمين، ضميراً ومروءة. ورغم نقد الخطاب للمادية والفردانية إلا أنها تطبقها من تحت الحزام، تنقد الانجراف للدنيا، وهي «تحوش» الدنيا، بتمثلية دراماتيكية للزهد والآخرة. أعني الخطاب الديني المُسيّس لمصالح الإقطاعيين والتوسعيين. أعني حاكما ينشر صورته مفترشاً الأرض ويأكل جبنة الماعز والخبز الحاف. يسمي خصومه «طُلاب الدنيا»، ثم «يحوش» الدنيا باسم الزهد! أعني دعوياً يحرض الشباب للجهاد وترك الملذات ثم «يتلذذ» في بقاع الدنيا ويلهو. هذه هي الداوينية بلباس التقوى.
المادية بقاعدتيها: تأليه المادة والبقاء للأصلح. طبعا هم الأصلح؛ والبقية يستحقون العدم. القضاء عليهم. أليس هذا هو مفهوم الافتراس المادي وما برره دارون بغريزة البقاء؟
إننا في عصر الفراغ الإنساني الهائل، نقتل ونكفر وننبذ ونسقط سقوطاً أخلاقيا مدوياً ونحسب أننا مصداق للإنسان. نحسب أننا جنوداً للدين. وما نحن إلا ماديون وداروينيون. ولا ندري!
نحتاج أن نستعيد حقيقة الدين، ونكتشف إنساننا. أن نختلف عن الحيوان الذي تقودنا إليه انفجار المادية والاستهلاكية. نحتاج أن نعود من اغترابنا وتشتتنا. ألا نخجل من طيبتنا ونبلنا وإيثارنا ووفائنا وشعورنا بالآخر. أن نوفق بين الإسلام الوجداني وبين الإنسانية. الإنسانية بمفهومها السامي وليس بأوشحة دارون ومفاهيم الافتراس. هذا وإلا أخذنا ضياعنا إلى ما لا نهاية.