جاسر عبدالعزيز الجاسر
تتكاثر الحلقات التي تحاصر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فبعد تخلي حزبه «حزب الدعوة» عنه، ومن ثم كتلة دولة القانون بالتبعية لأن هذه الكتلة التي شكلها ويرأسها ويحرك خيوطها في البرلمان وخارجه نوري المالكي، لا تريد لمن يخلف المالكي أن يظهر أي تفوق أو معالجة لما تركه المالكي من تركة ثقيلة، كما أن العبادي سواء بسبب ضعف قدراته أو عدم وجود حلفاء له في حزب الدعوة، أو تفوق جماعة نوري المالكي الذي ترأس الحزب أكثر من عقد من الزمن، إضافة إلى اختلاف قدرات وأخلاق وسلوك الشخصين، فنوري المالكي الذي تربى في الدهاليز المظلمة للمخابرات السورية والإيرانية، وأعد لقيادة وترتيب المؤامرات والحبائل الاستخبارية وتنظيم عمليات الاغتيال وتكوين الخلايا الإرهابية يتفوق على حيدر العبادي في حشد الأنصار وجمع الحلفاء، سواء داخل حزب الدعوة الذي يعطي لمن يجيد هذه الأعمال الفرصة ليحتل مكان الزعامة.
أما حيدر العبادي فشخصيته تختلف كثيراً عن المالكي، فهو أقرب لشخصية الأستاذ الجامعي ولا يعرف صياغة المكائد، ولعل من أهم أسباب اختياره ليكون رئيساً للحكومة العراقية، وموافقة أعضاء حزبه «حزب الدعوة» وباقي الأحزاب والجماعات الطائفية في التحالف الشيعي بالإضافة إلى نظافة يده نسبياً مقارنة بقادة تلك الأحزاب والوزراء الذين انضموا إلى الحكومات العراقية التي شكلها المالكي وقبله الجعفري، كانت جواز المرور لتسلمه رئاسة الحكومة، إذ وجد قادة الأحزاب الطائفية في التحالف الوطني، أنهم يمكن أن يفرضوا عليه رؤاهم ومواقفهم السياسية، ومَن يتذكر يوم الإعلان عن اختيار حيدر العبادي ليخلف نوري المالكي بعد فرضه من الأمريكيين وتزكية المرجعية الشيعية، أن الرجل عندما ظهر في المساء في المؤتمر الصحفي الذي قدّم من خلاله إلى الجمهور العراقي ظهر مرتبكاً ولا يقارن بنوري المالكي الذي كان صلفاً دائماً وفوقياً في كل لقاءاته.
حيدر العبادي تجاوز ضغوط حزبه ومعاكسات نوري المالكي وحلفائه من قادة الحزب وحتى قادة الكتل البرلمانية والحزبية سواء من التحالف الشيعي والكتل السنية الذين ورطهم المالكي في كثير من الصفقات المشبوهة، وامتلاكه لملفات عديدة تجعلهم رهائن لدى المالكي الذي يعرف كيف يستغل الملفات، إلا أن العبادي تجاوز كل ذلك لعدم وجود ملفات فساد ضده، ولأن هذا مهم في الوضع الحالي في العراق هو وقوف المرجعية الشيعية إلى جانبه، والدعم الذي يقدمه الأمريكان له، إلا أنه ومع ذلك ورغم الدعم الشعبي له في بداية حكمه لم يستطع ترجمة كل ذلك لصالحه حتى بعد الإعلان عن قائمة الإصلاحات التي رحب بها العراقيون والمرجعية الشيعية والكتل الوطنية السياسية الأخرى، فالأسباب بعضها بعرقلة البيت الشيعي الذي ينتمي إليه وتخريب نوري المالكي وحلفائه، عجز حيدر العبادي عن تنفيذ كل ما جاء في إصلاحاته، وأدت الضغوط والعراقيل التي يضعها التحالف الشيعي في طريق تنفيذ إصلاحاته إلى الاعتماد على النفر القليل من مؤيديه واللجوء إلى القيام بإصدار واتخاذ مواقف اعتبرت فردية، ما جعله يعيش في عزلة سياسية امتدت من البيت الشيعي إلى الكتل السياسية الأخرى، بما فيها الكتل السنية والكردية، وهذا ما يجعل أيام حيدر العبادي قليلة ولا ينقصها سوى اختيار شخصية شيعية أخرى، تحظى بتوافق من داخل التحالف الشيعي أولاً وموافقة أو حتى سكوت المرجعية الشيعية.