عبدالعزيز السماري
أحياناً يكون الحديث في التفاصيل طريقاً أسرع لإدراك خفايا قضية ما، وما أودّ التطرق إليه قضية المحسوبية في الوطن وماشابهها من «الواسطة» وغيرها، والتي لازالت تفتقر إلى تشخيص معالمها وتحديد جذورها، والتي أؤمن أن أغلب المتعلقات بها تحدث بسبب غياب تناولها على صفحات الرأي العام.
لعل أكثر تداولها عندما يستغل أحدهم علاقته بمسؤول أو صاحب النفوذ أياً كان، ليضرب بذلك أخلاقيات وقوانين العمل والمسؤولية عرض الحائط، مستغلاً تلك الضبابية التي تدور حول معنى تلك العلاقة، وتزداد بشاعة عندما ينشرها، ليصدقها الناس، ثم يبدأ يتصرف بلا قيود.
مصطلحات المحسوبية ومفرداتها الخاصة يتم استخدامها شعبياً على نطاق واسع، ولا يمكن تجاوزها عند الحديث عن قضية المحسوبية، ولا يمكن أيضاً تجسيد شخصيته في رمز محدد، فقد يعني أياً كان، ومهما كانت شخصيته، وتكمن فيه، كمصطلح متداول على نطاق واسع، أبجديات الفهم المعرفي لجذور المحسوبية.
لذلك دائماً ما يرفع الناس علامات الاستفهام والتعجب حول تصرفات البعض الخارجة عن النظام، وحول خصوصيتهم في استغلال الأنظمة وخرقها دون الآخرين، وتبدأ حولها نسج الحكايات الشعبية عن علاقاته الشخصية، والتي أوصلته إلى أن يكون خارجاً عن النظام.
من خلال هذا المشهد وغيره تشكلت في المجتمع متلازمة اجتماعية إن صح التعبير، تصف سر غطرسة فلان وعلان في المجتمع، وتربطها بعلاقة المتغطرس مع الشخص المتنفذ، ولهذا السبب ينحني المسؤول أمام تصرفاته، ويغض الناس الطرف عنها خوفاً على مصالحهم الشخصية.
يساهم المسؤول العام بتصرفاته اللامسؤولة في تأكيد الشائعة التي تتحدث عن استغلال المحسوب لعلاقته الشخصية بصاحب النفوذ، برغم من إيماني الكامل أن المسؤول المتنفذ أياً كان لا يمكن أن يرضى أن يستغل أحدهم علاقته به للإضرار بمصالح الآخرين، أو الإخلال بأخلاقيات المجتمع والعمل.
بسبب غياب الأخبار الصحيحة تنتشر الشائعات عن سحر نفوذ المحسوبية في البلاد، فيُقال فلان خرج من قضيته مثل الشعرة من العجين، ودائماً ما يلفت نظري مثل الشعرة والعجين.. فالعجين هو ذلك الازدحام الذي تدور رحاه في أروقة المظالم والحقوق، وانسلال المحسوب من تلك الأروقة دليل أنه «واصل»، في حين أن الأمر قد يبدو غير ذلك، ولو تم نشر تفاصيل القضية بشفافية لربما أدرك الناس خطأ ظنهم.
ويُقال أيضاً أن فلاناً وصل إلى مكانته العالية بسبب علاقاته الشخصية، وإن الشركة الفلانية تم تعميدها لأنها مملوكة لشخص متنفذ، وفي حين أن الأمر قد يبدو غير ذلك، وهناك غيرها من الأخبار التي لا تتوقف عن الترويج، وقد قيل في الأمثال أن آفة الأخبار رواتها، وتنتشر مثل هذه الآفات بسبب عدم وجود مصادر موثوقة تضع الحقائق أمام المجتمع.
انتشار مثل هذه الأقاويل يستبدل معايير الكفاءة في المجتمع بمعايير المحسوبية، فالإنجاز لا يكون في تحقيق النجاحات في محيط العمل، فالمحسوبية برأيي آفة خطيرة على الأمن الاجتماعي في الوطن، وقد يؤدي ترك الحبل على الغارب للذين يجيدون استغلال علاقاتهم الشخصية إلى مظالم وكوارث اجتماعية، ويزيد في نفس الاتجاه من معدلات الفساد الإداري، لذلك لا بدّ من وقفة حزام أمام هذه التصرفات.
أكتب ذلك لعلمي التام أن هذه السلوكيات والتصرفات لا يمكن أن يرضى بها أصحاب الشأن، خاصة خادم الحرمين، وولي عهده، وولي ولي عهده -وفقهم الله وسدد خطاهم-، لأنها أولاً تضر بمصالح الناس، وثانياً تسيء لسمعة البلاد، ولعل السبب غياب قانون يجرم المحسوبيات واستغلال النفوذ، وفي التعدي على حقوق الآخرين.. والله على ما أقول شهيد.