عبدالعزيز السماري
في عصور الخرافة كان الإنسان يسعى إلى البحث عن أكسير الحياة، وقد كان عقاراً أسطورياً يضمن لشاربه الشباب الأبدي كما كانوا يظنون، وقد سعى العديد من ممارسي الكيمياء القديمة في البحث عنه، وذكر في بعض أساطيرهم أن تناول قليل من القطرات البيضاء للذهب السائل حصل بذلك على الأبدية، وبعد معاناة طويلة في رحلة البحث عن أكسير الحياة توصل الإنسان أنّ الماء هو إكسير الحياة على وجه الأرض.
قد نستطيع القول إنّ المملكة في طريقها للكشف عن الإكسير لتجاوز أخطر تحدٍّ يهدد وجودها الطبيعي، وهو أزمة المياه، فقد لفت الإنجاز السعودي في تحلية المياه الانتباه العالمي، فقد تم تصميم محطة تعمل بالطاقة الشمسية للحد من استهلاك الطاقة وله مرحلة ما قبل العلاج، الذي سوف يقلل من مستوى عال من الملوحة والزيوت والدهون الموجودة في مياه البحر في المنطقة.?? سيكون من الممكن توفير جميع احتياجات الطاقة في المحطة خلال ذروة الإنتاج، والتي تمتد في المملكة لكامل النهار، في حين أنها لأول مرة في العالم يتم تشغيل مصنع كبير لتحلية المياه ليعمل من خلال الطاقة الشمسية، وذلك لم يكن ليتحقق لولا الاستثمار في العقل وفي الأبحاث، والتي تعتبر الحل الوحيد لتجاوز مختلف التحديات في الوطن.
الفضل يعود إلى أبحاث شركة تقنية المياه المتقدمة (AWT)، والتي تعتبر شركة متخصصة في إيجاد حلول تقنية المياه بأسعار معقولة من خلال تقنية مبتكرة ومتميزة، شاملة كامل مراحلها على حد سواء من المنبع إلى المصب، وهي تعمل من خلال مشروع تقنية العملاق لتحفيز التّنوّع المتسارع في اقتصاد المملكة من خلال الصّناعات القائمة على المعرفة، وبالتّالي خلق فرص عمل ذات قيمة مضافة، والمساهمة في خلق منظومة الابتكار في المملكة..?? في هذه المرحلة تعتبر المملكة رائدة في مجال تحلية المياه، وسنكون المصدر الأول في تقنياتها، وتتحدث المؤسسة عن تطوير المزيد من محطات تحلية المياه بالطاقة الشمسية والتكنولوجيا، يمكن أن تكون المملكة العربية السعودية رائدة ليس فقط في إنتاج النفط، ولكن في إنتاج المياه أيضاً، ويُعَد ذلك بمثابة الحلم الذي على وشك أن يتحقق، والفضل يعود لصاحب القرار الذي أدرك قبل فوات الأوان، أنّ الاستثمار في العقول والأبحاث في تحلية المياه، هو بوابة النجاة من خطر الموت المؤكد في جزيرة العرب بسبب تهديد العطش.
السير في هذا الاتجاه لا يعني الاسترخاء بعد عناء التعب، فالرحلة لاتزال في البدء، ولا يوجد في حلقات التطور حلقة أخيرة، فالإنسان في هذا العالم يعيش حالة تحدٍّ مع أسرار الطبيعة، والأسرع في اكتشافها هو صاحب السّبق، ولهذا توصّل الغرب مبكرين، من خلال النظرية الكانتية أنّ الصراع القادم هو في سباق امتلاك أسرار الطبيعة، بينما كنا في تلك المرحلة نحارب العقل، ونحتقره، ونشكك في قدراته ونواياه.
لطالما تناول المفكرون أنّ الغد أهم من الأمس، وأنّ العقل يجب أن يوجّه للتفكير في المستقبل، وأن نتوقف عن الاستثمار في الماضي، فالعقل عضو يتطور من خلال التحفيز لتحقيق الإنجاز، ويضمر إذا تم استهلاكه في الصراع حول نظريات الحقوق وغيرها، وقد حدث مثل ذلك في الغرب، والذي استنزف كثيراً من قدرات عقول شبابه أثناء حقبة الشيوعية، وتحقق الإنجاز بعد مرحلة الإصلاح التي غيرت المجتمع إلى كتلة متجانسة وتعمل على تحقيق الأهداف.
لذلك يجب أن تكون مشاريع الأبحاث ودعمها خارج مشاريع التقشف، وذلك لأنها بمثابة الروح في جسد الوطن، وقد يكون في بعض نتائجها الإنجاز الذي يخرج الوطن من تحديه القادم، ولهذا السبب وغيره يجب دعم وتوجيه الأبحاث لخدمة أهداف الوطن المستقبلية، وليطال التقشف وسائل الترفيه وتجديد الأثاث وتصميم الإكسسوارات في المباني، لكن دعم الأبحاث الموجهة يجب أن يكون خطاً أحمر أمام مشاريع التقشف، والدليل إنجاز تحلية المياه..