سامى اليوسف
بحثت عن معنى كلمة «انبراش»، أو فعل «انبرشَ» في معاجم اللغة العربية عبر محرك البحث «قوقل»، فلم أجد. وبعد جولة استغرقت بضعة أيام في مواقع، ومنتديات إعلامية، ورياضية، وشبابية خلصت إلى تعريف لهذا المفهوم الذي أعتقد جازماً أن مصدره أهل الحجاز ولهجتهم الجميلة.
مصطلح «الانبراش» في مفهوم كرة القدم يعني: الانزلاقة الطويلة أو «الانفراش» بقدمين مفتوحتين، كالمقص، من الخلف على اللاعب الذي تكون الكرة في حوزته، ثم أطباق القدمين بحركة مقصية على أقدام الخصم لعرقلته، أو إسقاطه، ومنعه من التقدّم دون النظر للكرة.
واللعبة التي شرحتها آنفاً تدخل في سياق اللعب العنيف إلى حد التهور، ويقصد بها الإضرار باللاعب الخصم، وإيذاؤه، وقد يتطور الأمر إلى الأسوأ، وتنهي هذه « الانبراشة» حياة اللاعب الكروية.
إصابة النجم المحبوب، والقدوة، محمد الشلهوب وابتعاده بعد «انبراشة» أليمة لزميله الذي يصغره سناً، وخبرةً، ونجوميةً، فهد المولد جعلتني أطرح حزمة من الأسئلة عن ثقافة، أو ظاهرة «الانبراش»: من أسسها؟ ومن هم روادها؟ وأبطالها في ملاعب كرة القدم السعودية؟ ومن هم أبرز ضحاياها من نجوم الكرة السعودية؟ وكيف التصدي لها منعاً لفقدان المزيد من النجوم بسبب تهور رواد هذه الثقافة؟
اشتهر الثنائي الأهلاوي عبدالعزيز عمر الشهير بـ»صمدو»، ورفيق دربه طارق مسعود بـ»الانبراش»، وقد راح ضحيته عدد من اللاعبين يقف في مقدمتهم ثنائي الاتفاق في فترته الذهبية: مروان الشيحة، وصالح خليفة.. والأرشيف الرياضي يحتفظ بخبر وصور إصابتيهما في لقاء الفريقين بجدة في موسم 1405هـ حتى إن الطبيب المعالج للخليفة استنكر أن تكون إصابته وقعت في ملعب كرة قدم متوقعاً أن سببها حادث سير تعرض له!
كتب المشجع الاتحادي وليد الودعاني في «شبكة الاتحاد»:»منذ أن شجعت الاتحاد عام 1416 هـ لم أر مبارة للاتحاد بدون أقل شي 20 انبراشة (انزلاقة) ويا ليت تكون نتيجتها مرضية بالعكس يمكن أكثر ناد في تاريخ المملكة حصل على كروت هو الاتحاد».
ولعل اعتراف لاعب الاتحاد السابق سامي شاص في تصريح صحفي أن مدرب الفريق «الصربي» السابق ديمتري كان يدرب لاعبي الاتحاد على كيفية اللعب العنيف (1417هـ) يدعم رأي المشجع الودعاني، ومعه الشواهد العديدة التي طالت مسيرة نجوم بارزين من مدافعي العميد.
بعد الثنائي الأهلاوي، أعتقد أن قائد الاتحاد المعتزل أحمد جميل الملقب بـ»السد العالي» هو من حمل لواء «الانبراش» في ملاعبنا، بل اعتبره «العرّاب» وقد ابتعد عن الملاعب بسبب إصابة تعرض لها نتيجة «انبراشه» خاطئة في مباراة الوحدة، وحمل اللواء من بعده المدافع الاتحادي السابق رضا تكر، وتشابه معهما في الأداء، والتعزيز لهذه الثقافة عدد من اللاعبين مثل: سراج فريج، رمزي العصيمي، مصطفى إدريس، الصحفي، طارق وأسامة المولد، أحمد زايد، وأبو سبعان.
وقد تضرّر من هذه الظاهرة عدد من نجوم الكرة السعودية، وابتعد أبرزهم بسببها، نذكر على سبيل الحصر من المتضررين: عبدالرحمن أبو سيفين، ناجي مجرشي، نواف التمياط، يوسف الثنيان، سامي الجابر، عبدالرحمن أبو رشيد، بدر الخراشي، محمد السهلاوي، نواف العابد، وسالم الدوسري، وأخيراً.. الشلهوب.
يستهدف رواد «الانبراش» عادة اللاعبين النجوم، والإضرار بهم يهدد مسيرتهم الكروية، ووظيفتهم التي تدر عليهم الرزق لهم ولأسرهم من جهة، وتخسر الأندية والمنتخبات السعودية مجهوداتهم، ومواهبهم من جهة ثانية، ولاسيما أنهم يعانون الأمرين في العودة لطول الفترة العلاجية وقد يعاني بعضهم من فوبيا الإصابة بما يؤثّر سلباً على مستواه بعد العودة الأمر الذي يؤثّر مباشرة في قيمته السوقية كمحترف.. ومن هنا يبرز حجم الضرر الذي يقع على اللاعب، وأسرته، وفريقه، ومنتخب بلاده إن كان دولياً، أو موهوباً يتوقع له النقاد البروز والنجومية.
منذ بروز هذه الثقافة، أو الظاهرة، فإننا لم نلحظ موقفاً تحكيمياً صارماً تجاه روادها، وأبطالها، أو حتى قرارات انضباطية شهيرة رادعة وحازمة تعاقب المخطئ، وتردع من يفكر في اقتفاء أثره وتحد من انتشارها في ملاعبنا.
وحري بنا هنا أن نفرِّق كروياً بين «الانبراش» الذي تناولناه بالتفصيل أعلاه، ومصطلح الـ»تاكلينق»، tackling، الذي يعني النجاح في استخلاص الكرة من الخصم دون إيذائه، أو تعمد إصابته.. ويعد من مميزات المدافع الناجح، والمحترف المبدع.
في مباراة الاتحاد والهلال الأخيرة «انبرش» المهاجم فهد المولد غير مرة «3 مرات تقريباً» على لاعبين من الهلال، أصاب منهم واحداً فقط وهو الشلهوب ونجا من الإنذار، أو الوقف والغرامة.
على لجان التحكيم، والانضباط، والأخلاق، أو اللعب النظيف في اتحاد الكرة أن تسعى جاهدة في حث الحكام على تطبيق القانون بحذافيره بحق المنبرشين من اللاعبين، بل تغلظ بحقهم العقوبات الانضباطية في حال أن أفلتوا من العقوبات الإدارية من الحكام ردعاً لهم، ولمن يقلّدهم ويعتبرهم القدوة في اللعب من اللاعبين الصغار، ولكي نحمي نجوم الكرة السعودية الذين يمثّلون عناصر القوة لفرقهم والمنتخبات الوطنية، وكذلك عناصر الجذب للجمهور من أجل الاستمتاع بكرة قدم حقيقية بعيداً عن تحويل ملاعبنا إلى ساحة عنف، أو مسارح للحوادث وأفلام الرعب!