سمر المقرن
تكثر الخرافات في المجتمعات السطحية البعيدة عن الفلسفة ومنطقيتها، ولو كانت مدارس العالم العربي تهتم بالجانب الفلسفي وتربيته وتنميته في عقول النشء لما خرج علينا آفات وزرافات من عشاق الوهم سواء وهم الجنة وحورياتها أو وهم الدجل والشعوذة الذي أدمنته الشعوب العربية، لأنها تمنح العقل فرصة بعيدة للتفكير والتأمل فتتسع مساحته وعمقه.
الفلسفة هي الجانب الصادق في العقل البشري، وعندما أقول هذا فلا أفرض تصديق كل ما أتت به علوم الفلسفة، لكنها قادرة على أن تجعل الإنسان يميّز ويختار ويكون أكثر قبولاً للآخر المختلف عنه. وتمنحه فرصة الاختيار فلا ينساق خلف هذا أو ذاك ولا يؤجر عقله لمن يفكر نيابة عنه، ويستطيع تقليد ما يمليه عليه عقله تقليده إذا آمنّا بأن التقليد من الخبرات الإنسانية الفطرية التي تبدأ مع الطفل في شهوره الأولى، بينما لا تتغير لديه هذه الخبرة بعد أن يكبر ويستمر في التقليد دون عناء فكري للتمحيص بين التقليد الإيجابي والسلبي، وهذا ما تصل به الفلسفة في الأبعاد البشرية التي تستطيع قهر فطرتها بالطريق السليم.
حقيقة أؤمن بها، وهي أن الكسل العربي وصل إلى حد التفكير والاختيار لبعده عن الفلسفة التي تجعله يستمتع بمثل هذه العمليات العقلية. إضافة إلى أنها «تؤنسن» الإنسان وعقله وتنأى به بعيدًا عن الهمجية والانفعالات المشابهة لها!
دائمًا نلوم الشباب وننتقد سلوكياتهم ونرفض أفكارهم وأساليب حياتهم، لكننا لم نضع لهم بديلاً عن العشوائية الفكرية التي تنهش بهم وبمجتمعاتهم، فالفلسفة هي القادرة على أن تجعل الفكر مُنظمًا وواعيًا ومدركًا لكل ما حوله، وهي الطريق لكسب مجتمع واعي بعيد عن السطحيات والهوامش. الفلسفة ليست علمًا معقدًا ولا دروسًا جامدة أو مملة، وأنا وغيري استمتعنا بها من خلال القراءة والاطلاع نظرًا لكون المناهج الدراسية لا تعترف بعلم الفلسفة لا من بعيد ولا من قريب، ويلمس الإنسان القارئ لهذه العلوم التغيرات الفكرية والتنظيم العقلي لها، والقدرة أيضًا على نقدها وقبول ما يتوافق منها مع الشخص وما لا يتوافق معه، فهي لا تفرض رأيها على أحد، ولم تضع على نفسها أي هالة من القدسيّة.
حتى المشكلات سواء الفردية أو العامة تبتعد كثيرًا حلولها عن المنطق القويم وهذه إحدى نتائج الابتعاد عن الفكر الفلسفي الذي يؤسس للحلول المنطقية القريبة من الواقع، ولكوني شخصية واقعية أنجذب لهذه العلوم وأتمنى أن أجد الوقت لقراءة كل ما لدي من حصيلة مكتبية جمعتها على مدى سنوات، واستمتعت بكثير منها وتأثرت بجزء منها، وتغيرت حياتي بفضل بعض ما ورد في محتواها. لذا أحث كل إنسان يرغب أن يطوّر ذاته بعيدًا عن الدورات والبرامج النفعية وغير النفعية، أن يطورها باختيار قراءاته وعمل ملخص بعد كل كتاب خصوصًا الكتب الفلسفية أو التي تأخذ جوانب فلسفية في أفكارها على أن يضع ملخصًا يؤسس فيه لمنهجه الجديد بعد الفائدة والنتيجة.