سمر المقرن
يبدو أن (هاشتاق) المقاطعات أمر ضروري لا بد منه لمجتمع أدمن الجعجة والضوضاء والجلبة والتجمهر خلف التوافه والفراغ والأحداث الخالية من أي قيمة أو هدف أو معنى، فهو المجتمع الذي تجد فيه دون غيره التفحيط، وهو المجتمع الذي تجد فيه دون غيره التجمهر حول الحوادث غير شاعرين بالخطر ولا يهمهم في سبيل اشباع فضولهم ماذا سيحدث لهم فيما بعد، وهم المجتمع الوحيد الذي دون سواه يلاحق أفراده سيارة الإسعاف مستغلين ابتعاد الناس عن طريقها للوصول بأسرع وقت إلى المستشفى.
هذا المجتمع هو المجتمع الوحيد الذي تنطلي عليه الأساطير والاضحوكات لينجرف دون هوادة خلفها مقفلا مخه ووعيه وناسفًا بسمعته واسمه بين المجتمعات عرض الحائط، لم يجف حبر اخبار مكائن الخياطة (الزئبق) في صورة مخجلة يندى لها الجبين، وأنت تشاهد المئات من الشباب والرجال وهم يحملون فوق أكتافهم العديد من المكائن، لتنطلق الصور الصحافية والتقارير الخبرية إلى كل مكان على ظهر المعمورة ليتندر سكان الأرض ويضحكون على شدة غبائنا، بكل صدق يحق لنا أن نحتفل مع مرور كل سنة بيوم الغباء العالمي في نفس التاريخ الذي تمت فيه مهزلة جمع مكائن سنجر، وبعده قضية الفتاة المصابة بالسرطان وحملة التبرع لها بالاموال وصورتها المفبركة لتشكل صدمة قوية تكشف مدى انسياق العامة خلف بعضهم دون تثبت أو مصدر.
في المقابل لو قمت بحملة ووضعت لها (هاشتاق) على أمر واقعي مثل طلب التبرع بالدم ستنصدم بحجم التفاعل المخيب على أرض الواقع غير الموازي لما تقرأه وتشاهده على أرض (الهاشتاق) وحجم الردود و( الرتويت) يوحي لك بأنك ستجد المتبرعين بالمئات وبأنك قد تسببت في تعطيل عمل المستشفى واربكت الأطباء ولكن الواقع لا يكشف حتى عن متبرع واحد للأسف، وهذا ما يكشف ويفسر ما حدث عن حملة مقاطعة شركة ألبان بحجة زيادة الأسعار وتقليل الحجم، انطلق (الهاشتاق) يسوق لهذين السببين الذين نفت صحتهما شركة الألبان المعنية وأكدت أنها لم تقم بزيادة الأسعار ولا تقليل الحجم لكن الهاشتاقيون لم يأبهوا بنفي الشركة وأصروا على الاستمرار في المقاطعة انتصاراً للفقراء وتعبيرًا عن اللحمة الوطنية ودفاعاً عن المظلومين في أصقاع الارض، ولكون كل هاشتاق يحوي في باطنه الكثير من الخفايا والالغاز استمر هاشتاق مقاطعة شركة الألبان كأكبر لغز عاشه الهاشتاقيون منذ خلقوا، حيث إنهم كلما أوغلوا ضجيجًا أتت نتائج عكسية مثل زيادة الربحية وعدم ملاحظة منافذ البيع لحجم المقاطعة.
المضحك المبكي أن تأتي وزارة التجارة لتنضم للشعب الهاشتاقي العظيم وتوجه خطابًا شديد اللهجة لشركات الألبان مما يثبت أن -بعض- مسؤولي وزارة التجارة لم يعودوا يبرحون مكاتبهم وأصبحوا يرصدون ويراقبون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لو كانت لهم عين ميدانية واحدة لما كتبوا خطابا يثبت أن وسادتهم تكبر يوماً بعد يوم، الأمر الأكثر غرابة أن هناك ما هو أحق بالمقاطعة إن كان الهدف هو مصلحة المواطن الفقير ولو كان أحد يخشى المواطنين وهاشتاقاتهم لما تجرأت شركات التأمين بالقفز بالأسعار دون مبرر، ولم يقم أحد بتبني هاشتاق لمقاطعتها أو على الأقل النصح بالذهاب للشركة الأقل سعراً لإخراج باقي الشركات الجشعة من الأسواق.
غياب المؤسسات المدنية التي تحمي المواطن من جهله ثم من جشع الآخرين هي السبب في كثرة حفلات الهاشتاقات المضللة والتي جعجعتها تصم الآذان دون فائدة، رحم الله ابن خلدون، فلت الهاشتاقيون من مقدمته!.