نجيب الخنيزي
رغم تحقيق خطوات مهمة على صعيد تنمية الموارد البشرية على الصعيد الكمي نذكر منها وجود أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة في مراحل التعليم العام والعالي والتعليم الفني والمهني، ومع أن نسبة المباني الدراسية المستأجرة انخفضت من 60% إلى حوالي 20% في عام 2014، وهو إنجاز مهم غير أن مخرجات التعليم لا تزال قاصرة على الصعيد النوعي، لذا يتعين التركيز على نوعية التعليم (مناهج وطرق تدريس وتجهيزات وتدريب) الذي هو في حاجة للتطوير والتجديد الدائم، إذ لا يزال غير متوائما مع احتياجات السوق وخصوصا القطاع الخاص، وقد أظهرت إحصاءات وزارة التعليم الصادرة في عام 2014 أن طلاب الكليات النظرية يتجاوز ثلاثة أضعاف طلاب الكليات العلمية، كما أن عدد طلاب الدراسات الإسلامية مثلاً بلغ 220666 طالباً وطالبة، وهذا أحد الأسباب في كون نسبة السعوديين العاملين في القطاع الخاص لا تزال متدنية جدا إذ تقدر بنحو 15% فقط في عام 2014، رغم كل الحديث عن السعودة، وذلك مقارنة بنسبتهم في مرافق ومؤسسات الدولة التي تصل إلى 85%، في حين قدرت نسبة السعوديات في سوق العمل بنحو 14% من حجم العمالة السعودية في القطاع الحكومي وحوالي 7% في القطاع الخاص. كما أن هناك فجوة تقدر بأكثر من 350 ألفا من الشباب يتخرجون سنويا من الجامعات والتعليم الفني والثانوية العامة، وبالتالي ينضمون إلى جيش الباحثين عن العمل، واستنادا إلى تقرير صادر من قبل مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي فإن نسبة البطالة تصل إلى نحو 14%. وكشفت في دراسة لمعرفة مستوى البطالة في المملكة، عن وجود 37% من العاطلين عن العمل من حملة شهادة الثانوية العامة، فيما بلغت بين أوساط الجامعيين 36%، ولن يكون سوى القطاع الخاص قادرا على تغطية الجزء الأكبر منها وبغض النظر عن دقة هذه الإحصائيات إلا أنها تعكس الخطورة التي وصلت إليها البطالة التي لم تستطع خطط التنمية المتتالية من إيجاد حلول عملية وعلمية لها، والمشكلة معرضة للتفاقم. خصوصا وأن التوظيف في القطاع الحكومي وصل ذروة الإشباع.
هناك اتهامات موجهة إلى رجال الأعمال في القطاع الخاص الذين يصرون على جلب العمالة الرخيصة الوافدة حتى لو كانت غير مؤهلة ومدربة، وكذلك تجار التأشيرات (مافيا التأشيرات) والعمالة السائبة بأنهم المسؤولون عن تفاقم مشكلة البطالة، وفضلا عن مزاحمة العمالة الوافدة للعمالة الوطنية، فإن أرقام تحويلاتهم المالية آخذة في التصاعد حيث بلغت قيمة التحويلات في عام 2014م 44 مليار دولار. ومن جهة أخرى إذا حصرنا الفئة المستهلكة (غير المنتجة) من السعوديين ممن يبلغون 16 سنة فأقل وفئة القوى غير (المتقاعدين وكبار السن وفئات هامشية أخرى) العاملة, وهاتان الفئتان تشكلان 75% من السكان، في حين تبلغ الفئة المنتجة 25% فقط.
الحلول التي تطرح لمعالجة مشكلة البطالة عديدة وكثيرة، وفي مقدمتها إنهاء الطابع الريعي للاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط الذي يتسم بخاصيتين مهمتين أولا كونه مادة وسلعة إستراتيجية لا غنى للعالم عنها وإلى أمد طويل نسبيا غير أنه سلعة ناضبة مهما طال عمره الافتراضي. وثانيا تتأثر أسعاره على الدوام بوضع الاقتصاد العالمي وقانون العرض والطلب. وفقا للوكالة الدولية للطاقة أن السعودية بحاجة إلى سعر 104 دولارات للبرميل من اجل سد عجز الميزانية البالغ 145 مليار ريال، في حين انحدرت الأسعار إلى ما دون الخمسين دولار، وتوقع مسعود أحمد مدير منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي. أن يتجاوز إجمالي العجز في ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الخمس المقبلة تريليون دولار مع هبوط سعر برميل النفط من 114 دولارا في شهر يونيو/حزيران 2014 إلى 50 دولارا الآن وليس هناك في الأفق ما يدل على انفراج قريب. صحيح أن مساهمة القطاع الخاص غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لعام 2014 بالأسعار الثابتة بلغت حوالي 39.5 في المئة، وهي نسبة جيدة لو كان يعتمد على إمكانياته الإنتاجية والاستثمارية الذاتية بعيدا عن دعم الدولة ومشاريعها، وعلى الصعيد نلحظ تراجع أرباح وقيم أسهم معظم الشركات العاملة في القطاع الصناعي والإنشاءات والبنوك والخدمات مع انخفاض أسعار البترول.
هذه المعطيات تتطلب وضع الخطط الفعالة باتجاه تنويع مصادر الدخل والتركيز على مجالات الاستثمار الإنتاجي، وترشيد الإنفاق غير الضروري ومكافحة الفساد، وتطوير نوعية التعليم وخصوصاً العلوم التطبيقية والتقنية والتدريب الفني والمهني، ووضع الضوابط أمام الاستقدام وتحديد سقف أدنى للأجور، وتوسيع فرص العمل في مرافق ومنشآت الدولة، وخصوصا الاقتصادية والإنتاجية مثل «أرامكو» و»سابك» وفي القطاع الخاص.