عبد الله باخشوين
كنا نرى الطيب صالح ضيفاً على مهرجان الجنادرية حين كان يعمل ويقيم في قطر. أما عبدالرحمن منيف منذ أن رحل للشام ومن ثم للعراق قبل أن يعود للشام ويموت فيه.
يجمع بينهما أنهما روائيان أفذاذ ويفرق بينهما أن الأول رأى في قطر جمالها وشواطئها والنوق التي كانت ترعى غير بعيد كثيراً عن البحر. وكتب إبداعاً إنسانياً تابع روح الإنسان وهويته وما لوجوده من بعد خرافي شديد الواقعية رغم بعده الإسطوري الفذ.
وحول - الآخر - الواقع إلى بعد افتراضي. كأنه لم يعش فيه ولم يستمد مادته الإبداعية منه. فكان ابن السياسة التي تكاملت شخصيته من خلالها. قبل أن يفترق عنها. ويجترح معضلة الفن والإبداع ويجد فيه هويته والجزء الضائع من روحه وقلبه وفكره.
لكنهما لا يلتقيان لا إبداعياً ولا فكرياً تتناقض مفاهيمهما في قيمة الإبداع ودورة وهوية عطائه.
لذا فإنه لامجال لإيجاد قناة مشتركة تصل بين ((عرس الزين)) و((بندر شاه)) وبين ((حين تركنا الجسر)) و((مدن الملح)).
غير أن معضلة الثقافة العربية خلال خمسين عاماً التي مضت. تكمن في إصرارها على إسقاط البعد الإيدولجي على الفن والإبداع. وهذا الإسقاط لا يهدف إلى إعطاء الإبداع قيمة جديدة تضاف لقيمته الفنية والإبداعية. بقدر ما يهدف إلى إعطاء النقد الذي يتناوله قيمة ((فكرية)) ليست موجودة فيه أصلاً.
وخلال زيارة لقطر ضمن وفد ((رياضي)) يتصدره المرحوم الأمير فيصل بن فهد قبل دورة الخليج الخامسة التي أقيمت في قطر حملت معي أول مجموعة قصصية. وخلال الأيام القليلة التي قضيناها في قطر سعيت جاهدا للقاء الطيب صالح على أمل أن يقرأ مجموعتي القصصية ويكتب لها مقدمة وظلت هذه أمنية حياتي التي لم تتحقق - غير أن مفارقات القدر مضت حتى التقيت المرحوم عبدالرحمن منيف في بغداد وقرأ نفس المجموعة القصصية. وكتب لها مقدمة - كنت أحتفظ بها لكنها فقدت في الرياض - وتبنى نشر المجموعة وأرسلها إلى مؤسسة الدراسات العربية في بيروت التي كانت حربها الأهلية في أوجها وفقدت المجموعة واغتيل الكيالي صاحب مؤسسة الدراسات العربية وتوالت الأحداث.
وخلال تنقلي السريع بين جدة والرياض وأبوعريش كتبت القصص التي كانت نواة مجموعة ((الحفلة)) والتي جعلتني أحمد الله ألف مرة على ضياع مجموعتي الأولى. لأنها كانت ستضعني في مكان لا يليق بالمكان الذي وضعتني فيه قصصي الحفلة. ولا تليق بالقياس الفني والإبداعي الذي أصبحت أقيم من خلاله إنجاز كل من الروائيين الكبيرين الطيب صالح وعبدالرحمن منيف. فأنا أرى - اليوم - أن الطيب صالح مبدع عالمي لا يقل مكانة عن نجيب محفوظ وهو رغم قلة إنتاجه الوحيد بين العرب الذي كان يجب أن ينال جائزة نوبل. والوحيد بين الروائيين العرب الذي ساهم في إثراء المكتبة العالمية بإبداع يندر أن يكون له مثيل. وفق هذه الرؤيا يصبح إنتاج عبدالرحمن منيف - على كثرته - متواضع الشأن فنياً وإبداعياً دون أن نلغي أهمية دورة الروائي الذي تناول فيه جوانب كانت في الظل من الحياة السياسية وإشكالاتها في شرق المتوسط الذي يمتد من سوريا ليشمل كل بلاد النضال العربي التي اصطخبت لسنوات طويلة قبل أن تورثنا الرماد وهدر الأرواح والثروات وتصل بنا إلى هذه الحال التي أصبحنا عليه في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من بلاد أوهام الربيع العربي.