د. عبدالواحد الحميد
تابعت بعض ما نُشر عن المنتدى الذي عُقد في مدينة الرياض الأسبوع الماضي، بمشاركة وزراء النفط في عدد من دول العالم تحت عنوان «المنتدى الريادي لفصل الكربون»، وهو عنوان غير جذّاب لمعظم قرّاء الصحف ومتابعي الأخبار باستثناء بعض المتخصصين أو المهتمين، لكنه منتدىً مهم من الناحية الفعلية لجميع المواطنين في بلدنا النفطي.
وباختصار، فإنّ الحديث الذي يتردد دائماً في أوساط المهتمين بالبيئة، أن الانبعاثات الناتجة عن التلوث أدت إلى احتباس حراري خطير، ما يهدد البيئة العالمية ويؤدي إلى تغيرات في المناخ، وقد ينتج عنه دمار واسع لبعض المدن المطلة على السواحل، وكذلك بعض الجزر التي قد تغمرها المياه بسبب تغير أحوال الطقس بشكل جذري.
المتهم الأول في كل ذلك هو النفط. فالسيارات والمصانع والطائرات والمحركات المختلفة تستهلك الوقود وتنفث الأبخرة والغازات التي تتصاعد في الأجواء وتفسد النظام البيئي.
بالطبع لا يخلو ذلك من تسييس، لأنّ اتهام النفط هو اتهام للدول المنتجة والمصدرة للنفط وهي في غالبيتها من دول العالم الثالث. ويبلغ التسييس مداه حين تطلب الدول الصناعية المتقدمة من دول العالم الثالث، أن تمتنع عن استثمار غاباتها ومواردها الطبيعية من أجل المحافظة على البيئة، مع أن الدول الصناعية كانت سبّاقة إلى القضاء على الغابات وتحويلها إلى مدن مكتظة بالسكان وبالمصانع وبجميع الملوّثات!!
فكرة المنتدى تدور حول تداول الآراء في كيفية فصل وتجميع غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه واستخدامه بشكل مفيد، بدلاً من انبعاثه في الأجواء وتلويثه للطبيعة.
ما لفت انتباهي هو ما ذكره وزير البترول السعودي عندما قال ـ بما معناه ـ يجب ألاَّ نتعامل مع الكربون والوقود الأحفوري بشكل خاطئ فندعو للتخلص من هذا الوقود، وإنما ينبغي ان نفكر بطريقة تجعله صديقاً للبيئة. وفي استعراضه لما يقصده، أوضح الوزير أن بالإمكان استخلاص ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى وحقنها في الأرض لرفع كفاءة استخراج النفط من الأرض، كما أن بالإمكان تحويل الكربون إلى مطاط ومواد خام أخرى. وهناك مشاريع تمت في المملكة في هذا المجال ويجري تطويرها.
ما يمكن قوله هنا، إذن، أن تشجيع الابتكار والبحث يمكن أن يجعل من هذه المواد الضارة، مصدراً من مصادر زيادة الدخل في المملكة وتنويعه. فحقن هذه الغازات في الحقول النفطية ذات الكفاءة الإنتاجية المتدنية بسبب استنفاد محتوياتها، يمكن أن يرفع من كفاءتها وذلك بزيادة الضغط في الحقول لزيادة معدلات الاستخراج، كما أنه يمكن أن يكون بديلاً عن حقن الماء، ويمكن استخدام الغاز في عمليات صناعية وإنتاج مواد خام أخرى.
لابد من تركيز جامعاتنا ومراكز البحوث التقنية عندنا على هذه الجوانب المرتبطة باقتصادنا. فبالبحث والدراسة والتطوير، يمكن أن نحوِّل السلبيات إلى إيجابيات والأشياء الضارة إلى نافعة؛ وكما يقال «رب ضارة نافعة»، فقد يصبح هذا الغاز، الذي يرى العالم أنه خطر على البيئة، مصدراً اقتصادياً نافعاً ومفيداً للبشرية.