جاسر عبدالعزيز الجاسر
احتضنت الرياض تجمعاً دولياً جمع قادة مجموعتين دوليتين مهمتين على الصعيد السياسي والاقتصادي، إذ إن الدول التي التقى قادتها في بيت الرياض تمثّل حضارتين قدَّم أبناؤهما إسهامات فاعلة للحضارة الإنسانية، فإسهام العرب مشهود تؤكّده العديد من المشاهد الحضارية والثقافية، وأبناء أمريكا الجنوبية لهم إسهامهم الفاعل حضارياً حتى قبل أن يتصلوا بالأوروبيين عبر الإسبان والبرتغال؛ فقد كشفت الدراسات أن الأمريكيين الجنوبيين الأصليين كانت لهم حضارتهم العميقة التي شكلت أحد أهم الجذور للحضارة الإنسانية، شأنهم شأن العرب، وقد امتزجت هاتان الحضارتان عبر التأثير العربي على الثقافة الإسبانية والبرتغالية التي تشرَّبت الثقافة العربية الإسلامية من خلال الفترة الأندليسية التي كانت خير موصل للحضارتين كتجسير إنساني لحضارتين مهمتين للإبداع الإنساني ربط جنوب الكرة الأرضية بقلبها الذي عمره العرب والمسلمون بحضارة شكَّلت مداداً لباقي الحضارات الإنسانية، وقد أدى امتزاج الحضارات العربية والإسلامية واللاتينية والأمريكية الجنوبية القديمة إلى تكوين منتج حضاري مميز يجمع كثيراً من الخصائص الإنسانية التي تتميز بها جميع الحضارات التي ترعرعت ونمت على الكرة الأرضية، والذي يستعرض مفردات اللغات التي يتحدث بها أبناء أمريكا الجنوبية يجد الكثير من مفردات اللغة العربية؛ شأنها شأن أسماء المدن التي تحمل أسماء مثيلاتها العربية، إضافة إلى تشابه الأمزجة السلوكية وتقارب سحنات السمات الخلقية بين أبناء المجموعتين رغم البعد الجغرافي بينهما.
كل هذه الخصائص التي تجمع بين هاتين المجموعتين تتطلب تقارباً سياسياً وثيقاً وتعاوناً اقتصادياً مثمراً، وقد حث خادم الحرمين الشريفين الدول العربية واللاتينية من خلال قادتهم إلى تطوير العلاقات بين الكتلتين، تطويراً إستراتيجياً وتنشيط التعاون الاقتصادي وصولاً إلى إقامة تعاون وتنسيق اقتصادي من خلال تفعيل التعاون التجاري، داعياً إلى تأسيس مجالس رجال الأعمال، والسعي لتوقيع اتفاقيات للتجارة الحرة، وتجنب الازدواج الضريبي وتشجيع وحماية الاستثمارات بين دول المجموعتين.
هذه الدعوة التي تصبح ملحة جداً في سعي التكتلات الإقليمية والدولية، وبما أن المجموعتين العربية واللاتينية تجمعهما كثير من الخصائص وتواجهان تحديات متشابهة، فإن المصلحة المشتركة تتطلّب المسارعة في تلبية مطالب خادم الحرمين الشريفين التي تستهدف مصالح شعوب المجموعتين وخصوصاً أنها تمتلك الكثير من الحوافز التي تساعد على تحقيق شراكة إستراتيجية تعزّزها شراكة اقتصادية مثمرة تؤسس لعمل مثمر منتج لصالح شعوب المجموعتين اللتين تواجهان مشاكل وتحديات متشابهة وخصوصاً في مواجهة الفقر وتدني معدلات التنمية والتصدي للإرهاب الموجه لدولها والتي تتعرّض لهجمات إرهابية من قوى معادية ليس من قبل الدول الاستعمارية السابقة، بل للأسف الشديد من بعض الدول النامية، ولهذا فقد تضمن بيان الرياض الذي يعد بياناً ختامياً للقمة رفضاً للإرهاب ولكل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول والمشاركة بإيجاد حلول للقضايا المزمنة وبالذات القضية الفلسطينية التي شكّلت مدخلاً لكل المشاكل التي تعاني منها المنطقة العربية.