د. فهد صالح عبدالله السلطان
إلى كل القادة العرب الأفاضل الذين يطمحون إلى تحقيق آمال شعوبهم وطموحاتهم وتطلعاتهم. في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأمة ونحن نعيش فترة عصيبة اتسمت بكثرة التحديات وسرعة التغيير والتحديث والتجديد وتتابع الأحداث حتى أصبح الاستقرار شذوذًا والحركة هي القاعدة. يقيني أن كل واحد منكم يعمل كل ما في وسعه لتجنيب شعبه ووطنه ويلات المحن ودمار رياح الزمان العاتية، ويطمح لتحقيق تطلعاتهم وآمالهم.
الحقائق والأرقام والدلائل تؤكد أن الدول العربية تمتلك من المقومات ما لا تمتلكه منطقة أخرى في العالم. في الوقت الذي تعاني فيه مشكلات تنموية لا يعانيها أقاليم أخر في القرية الكونية. الغالبية العظمى من شعوبكم تعاني تحديات أمنية وتحديات اقتصادية وتحديات اجتماعية وتحديات فكرية. أحدها أن 20 في المائة من شباب الأمة العربية يعانون من البطالة!! أليست هذه مفارقة عجيبة!!!
وقبل أن يدب اليأس في كثير من شعوبكم لعلي أذكركم بأن أمامكم فرصًا تاريخية لتحقيق نجاحات نوعية قد لا تتوفر لغيركم. واسمحوا لي بأن أذكركم ببعض المقومات التي تميز هذا الإقليم عن غيره.
جغرافيًا، يمتد الإقليم على منطقة تتوسط العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه وبالتالي فهي تمثل البوابة الاقتصادية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب وعلى مساحة تقدر بـ 13 مليونًا وسبعمائة ألف (13687129) كيلو متر مربع وهي تمثل ثاني أكبر مساحة بعد روسيا الاتحادية. اقتصاديًا تسيطر الدول العربية على مخزون الطاقة العالمي الذي يعد المحرك الرئيس للإنتاج والتنمية، وتنتج الدول العربية أكثر من 32 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط (24 مليون برميل يوميًا)، وتعد المنطقة العربية المركز الرئيس في العالم للطاقة المتجددة وأهمها الطاقة الشمسية. تشير الأرقام الإحصائية إلى أن تغطية 8 في المائة فقط من الصحراء الليبية بخلايا شمسية يكفي لإنتاج 20 مليون ساعة جيجاوات وهو ما يغطي كامل احتياج الكرة الأرضية من الكهرباء.
في الجانب الغذائي تستطيع الدول العربية تأمين الغذاء الكامل لكافة سكان المعمورة، ففي السودان وحدها يتوفر 84 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للإنتاج الزراعي مؤهلة لإنتاج 76 مليون طن من القمح و370 مليون رأس من البقر و410 ملايين رأس من الأغنام 850 مليون رأس من الدجاج سنويًا.
يقطن الدول العربية 385 مليون نسمة، 73 في المائة منهم تحت سن 29 سنة أي أن المجتمع مجتمع شبابي منتج..
وفوق هذا فإن الدول العربية تتميز بالتكامل الاقتصادي فيما بينها (complementarity of economy) أي أنها يمكن أن تعيش برفاه اقتصادي كامل وإن كانت منعزلة عن العالم الآخر ومستقلة عنه. فهناك القوى العاملة وهنا الطاقة وفي ذاك الماء والأرض الخصبة. منافذ بحرية وبرية وجوية للتصدير والاستيراد تتوسط الكرة الأرضية.
أما من الناحية الأمنية والعسكرية فإن الدول العربية تمتلك قوة ضاربة قوامها 4 ملايين جندي و19 ألف دبابة و9 آلاف طائرة 4 آلاف هليكوبتر و51 ألف معدة حربية وبهذا فهي أكبر قوة عسكرية في العالم.
تتحدث المنطقة كلها لغة واحدة وتدين الغالبية العظمى من سكانها بدين واحد وتنتمي إلى حضارة واحدة. وهي مهبط الرسالات وملتقى الأفئدة يتوجه نحوها ويحج إليها كل أصحاب الديانات السماوية وتلتقي أفئدتهم وتسمو أرواحهم فيها.
إذا ما الذي يحدث؟ ولماذا تعيش معظم دول الإقليم أزمات متتالية وتحديات عاتية أخرتها عن ركب الحضارة العالمية وأفضت بها إلى حالة من التواضع الاقتصادي واللا استقرار الاجتماعي؟ ما الذي يمنع هذا المجتمع من العمل الجماعي المشترك الذي من شأنه أن يساعد الجميع على العيش بأمن وعز ورفاه؟
يبدو أننا ولسوء الحظ نفتقد العامل والمقوم الرئيس الذي حال بيننا وبين تحقيق هذا المشروع الحضاري العملاق. العائق الوحيد الذي افقدنا مكاسب اقتصادية وحضارية وسياسية وغيرها. هذا العامل يتمثل في البعد الفكري وثقافة العمل الجماعي، وعدم الإيمان بالعمل المشترك وتوحيد الجهود وبأن قوة الجميع أكبر من قوة مجموع أجزائه. حقيقة يبدو أننا مجتمع لا يؤمن بالعمل الجماعي المشترك. وإلا ما الذي يعني أننا نخسر كل هذه المكاسب على الرغم من توفر المقومات وعلى الرغم من أن لدينا مظلة (الجامعة العربية) تمثل أول تكتل إقليمي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. خسرنا قوة الوحدة الاقتصادية وضيعنا فرص التكامل الاقتصادي والإنتاجي وأضعنا قوة التفاوض السياسي ووحدة الرأي والتوجه. وافتقدنا قوة الدفاع المشترك عن أمننا، وتركنا لدولة توسعية تتوسطنا فرصة العبث بأمن إقليمنا، على نظرية إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
نعم تاريخ العرب في مجال العمل المشترك التعاوني ملييء بالتحديات بل وبالمنغصات والمثبطات، تاريخ مؤلم وقاس ولكن مرارة اليأس أقسى، واستمرار خسائر الفرقة أندى وأعتى. المهم ألا نيأس وألا يجد اليأس طريقًا لقلوبنا. وحده اليأس هو الخطر القاتل لآمال شعوبكم وآخر مسمار في نعش الأمة. يقول المثل الصيني عندما تهب الرياح ينقسم الناس إلى قسمين قسم ينصب الطواحين وقسم يختبئ في الأقبية. رياح التحديات تهب على المنطقة من كل جانب. حان الوقت لنصب جسور التعاون والعمل الجماعي المشترك. وفي لغة أهل الاقتصاد فإن الفرص تولد من رحم الأزمات. أمامكم فرص عظيمة للتنمية والتطوير سيدعمها العمل الجماعي إن نحن آمنا به. نعم هناك نقاط اختلاف ولكن هناك أيضًا مساحات للعمل الجماعي المشترك الذي سيضيف قيمة ومكاسب للجميع. فرص للعمل المشترك في مجالات الاقتصاد والإنتاج والأمن...الخ. لم يعد التفكير والسياسة الحدية (إما أن نتفق على كل شيء أو نترك كل شيء) أمرًا مجديًا. دعونا نركز على مجالات المصالح المشتركة ولا بأس من الإبقاء على نقاط الاختلاف وتأجيل بحثها لوقت لاحق.
الشيء المؤكد الذي يجب أن يتذكره الجميع أن الكل سيربح من العمل الجماعي المشترك.
لعل ما قامت به المملكة العربية من توحيد الجهود لتحرير اليمن الشقيق وإعادة الشرعية لها والنجاحات التي تحققت على يدها في ذلك، وكذلك تجربة مجلس التعاون الخليجي التي استمرت لأكثر من 34 عامًا يمثل تجربة حية عملية في إمكانية العمل الجماعي بيننا، ويدفع كيد المثبطين ويوقد زناد الأمل ويطفئ كابوس اليأس. ويؤكد أهمية وفائدة العمل المشترك الذي أشرت إليه أعلاه ويعطي أملاً في العمل الجماعي والإيمان به.
قد يقول البعض إن الظروف الحالية غير مهيأة لمثل هذا الحلم الطموح وأقول على العكس من ذلك فالظروف الحالية تمثل فرصة مواتية للعمل الجماعي، فكما أسلفنا، الفرص تولد من رحم الأزمات ففي التحدي تخلق الفرص، إنما الغيث إذا أسود السماء.
وبناء على ذلك فإنني اقترح البرنامج التالي:
أولاً: إن يكون مرتكز التعاون هو المصالح المشتركة لا العلاقات العاطفية.
ثانياً: أن يتم تشكيل فريق عمل عالي المستوى لتحديد المحاور الرئيسة للعمل التعاوني المشترك. على أن يكلف الفريق بتحديد ثلاثة إلى أربعة مجالات رئيسة فقط للعمل المشترك خلال السنوات الخمس الأولى.
ثالثًَا: أن يتم تحييد (تناسي) نقاط الخلاف وأن يترك بحثها إلى وقت لاحق.
رابعًا: إن يتم البدء في الدول الرئيسة المستقرة حاليًا وأن يترك لبقية الدول فرصة الشراكة في وقت لاحق.
وطالما أن لديكم المظلة السياسية والقانونية (جامعة الدول العربية) للعمل المشترك فإنه سيكون من الميسور المضي في برنامج تعاوني من شأنه تحقيق مصالح وطنية وإقليمية ودولية.