رقية الهويريني
الخوف هو السلوك التكيفي الذي يساعدنا في تحديد حجم التهديدات، وهذا السلوك يساهم في بقاء البشر على قيد الحياة سواء وسط الحيوانات المفترسة أو الكوارث الطبيعية أو حتى التعرض لاختبارات نفسية واجتماعية وتعليمية.
والحق أن بعض المخاوف فطرية وبعضها مكتسب، إذ يُولد المرء وهو يخاف من شيئين فقط فطرياً، الخوف من السقوط ومن الأصوات العالية. بينما يكتسب الإنسان مخاوفَ أخرى من خلال الروتين الحياتي مثل الخوف من الظلام الحالك، وكذلك المجهول، كما أن لديه الرهبة من الحيوانات الصغيرة كالعناكب والصراصير والفئران، تماماً كخوفه من الأسد والذئاب والثعابين، وتسمى هذه المخاوف طبيعية، حيث يكتسبها المرء في سن مبكرة، ويتأثر بالبيئة والثقافة التي نشأ فيها. فالأسرة التي يخاف فيها الوالدان أو أحدهما، يكتسب بعض الأبناء تلك المخاوف والتوجسات وحتى حالة التشاؤم، فالأطفال الصغار لا يخافون تلقائياً من العناكب، ولكنهم يكتسبون ذلك من والديهم من خلال تخويفهم وتحذيرهم، ولدى البشر عموماً ميلاً نحو الخوف من العناكب والثعابين بسبب نظرية التطور البيولوجية.
وكلما تقدم المرء في السن، اكتسب المخاوف بسبب العلاقات التي يربطها بين بعض الأشياء أو الوقائع والتجارب الشخصية، إذ يذكر (سيث نورهولم) عالم الأعصاب في جامعة إيموري الأمريكية، أن جندياً مر بتجربة تتعلق بالعبوات الناسفة التي كانت مخبأة في حقيبة تسوق، وعندما عاد إلى وطنه رأى الجندي حقيبة تسوق أخرى، فأصيب بحالة عارمة من القلق والتوتر وبعدها شعر باستجابة الجسم التي تقتضي الخيار بين «المواجهة أو الهروب».
وتشير العديد من الأدلة إلى إفراز الجسم للدوبامين عندما يشعر الإنسان بالخوف. والدوبامين هو الناقل العصبي الكيميائي الذي يساعد على التحكم بمراكز الدماغ المسؤولة عن الإحساس بالسعادة واللذة. ولعل تفسير الشعور بالنشوة الذي يأتي بعد مواجهة الخوف هو السبب وراء سعي بعض الناس وانخراطهم وراء النشاطات أو الرياضات والمغامرات الخطيرة ومواجهتها بجرأة وجسارة، وبالتالي تحقيق الانتصار والفوز بالسباقات.
ولعله من المفيد والسار أن أشير إلى إمكانية تغلبنا على بعض مخاوفنا بمواجهتها واستمرار التعرض لها، من خلال تنمية قدرتنا على مقاومة الخوف بتعريض أنفسنا باستمرار للمغامرة والمجازفة التي لا تخلو من مخاوف ورهبة، سواء كانت الرياضة العنيفة وأفلام الرعب أو التعامل مع الثعابين والعقارب والعناكب السامة، بل وحتى تناولها وأكلها - كما يفعل المغامرون - لتحقيق أقصى نشوة!
وللناس فيما يغامرون، مذاهب!!