سلمان بن محمد العُمري
جميل أن يترك الإِنسان عملاً نافعاً وقولاً طيباً يبقى له بعد وفاته وقد قيل قديماً: «والذكر للإِنسان عمر ثاني»، وكم من أثر محمود من قول وعمل تركه صاحبه ويذكره أهله ومحبّوه وغيرهم بالخير ويحمدون الله على ذلك وآخر مذموم القول والعمل يتحسّر الجميع على ما بدر منه، وربما يتساهل البعض بالقول والكتابة وقد يكون ضررها أكبر وأكثر من ارتكاب المحذور وقبلها إن كان القول خيراً فسيكون نفعه أعم وأشمل فيؤجر صاحبه بما دل عليه من الخير.
وربما ينسى ويتناسى البعض أمام مغريات الحياة ومادّيتها، ظلمهم لعباد الله، وتسلّطهم على الخلق بالقول والعمل، وذلك حينما أعمى الله بصيرتهم التي أغشاها الكبر والغرور والغطرسة، مع الانغماس بالملذّات والجاه والمنصب وأنهم سيدومون على هذا الحال. وهم في بروجهم غافلين أن الله يمهل ولا يهمل وسينتقم منهم المولى ـ عز وجل ـ عاجلا غير أجل استجابةً لدعوات المظلومين.
وأعود إلى ما يسطّره الإِنسان من كتابات حسنة أو سيّئة فسيحاسبه الله ـ سبحانه وتعالى - عليها في الدنيا أو الآخرة، ولن يبقى إلا الذكر الحسن الطّيّب.
بين أيديكم معشر القراء مقالة كتبتها كاتبة شابة انتقلت إلى رحمة الله قبل أيَّام قلائل ورأيت فيما كتبته شيئاً نافعاً في الدعوة إلى الله عبر القدوة الحسنة ومن خلال سلوكنا وتعاملنا مع الآخرين في السفر وكيف ينعكس ذلك سلباً وإيجاباً.. فإلى ما كتبته الابنة منيرة بنت عمر آل سليم - رحمها الله - : « يبقى الإِنسانُ ملكاً إذا احتفظَ بشخصيته المُستقلة والتي تُمثل انتماءاته وهويته، فكيف بالملك الذي يتمتع بالانفراد والتميز الذي رسمه الإسلام لحياته وهو أعظم دين عرفته البشرية وناسب إِنسانيتها وأعطاها حقوقها بلا نقصان! هل نتساءل ماذا سنعكس للكون حينما نرى إقلاع ألف طائرة خارج أسوار الوطن وهي تضم الملايين ممن يحملون حقائب السفر وأحلام المُتعة ثم يتوزعون على خريطة العالم؟
يحدث أن نرى بشراً يحملون أدياناً مختلفة في بلادنا، ويحدث أن تهتم بهم قنوات نشر الإسلام لدينا، ويحدث أن نصادف المئات عبر الإنترنت وأن نجد من يقوم بتلك المهمة أيضاً، ولكن ما الذي يحدث عندما نواجه المختلفين داخل بلدانهم التي نسافر إليها؟ وماذا نفعل إذا كُنا ندرك أن حضور المسلم بكامل حواسه وبسلوكه وفكره يعكس شيئاً أمام العالم؟ هل يستعد المنتمون إلى الإسلام وإلى بلاد الحرمين لحوار ديني ذي أبعاد راقية في صدفة سفر عابرة تجمعهم مع أشخاص يتساءلون بشغف.؟ لما لا يحدث وملايين من البشر يحاولون فهم الكون ويبحثون في كل يوم عن الحقيقة!!
سنتساءل كثيراً حينما نرى الصورة لا تنعكس في حجرات الدراسة أو مواسم السفر، ثم سندرك ان تغييب الشخصية المستقلة والانتماء لدى البعض نابعٌ عن تربية خالية من تبجيل الإسلام، وإظهارهُ للغير بصورته الحقيقية المُتناسبة مع روح الإِنسان وجسده وعقله وعاطفته، تربيةٌ خالية من جعله دستوراً لحياتنا لا إرثاً إِنسانياً يُلقن.
في الإسلام قيم كثيرة تشد الأنظار وتنبهر لها العقول، كونه الدين الذي يلامس احتياجات البشر!
لازلت أتذكر سائق سيارة الأجرة الصيني، الذي كانت عائلته البوذية تعتبره الابن العاصي لأنه لا يصلي في المعبد، كان يقول أنا لا أؤمن بالبوذية ولا أشعر بروحانية أو رب حقيقي أفعل لأجله ما يفعلون، كان فقيراً وبسيط التعليم وتعلق كثيراً بفكرة الصدقة في الإسلام والتوازن المادي الذي تؤدي إليه هذه الفكرة!
صوت الآذان تتكرر فيه القصص ويبهر أصحاب الديانات الأخرى ويطلقون عليه الأغنية الجميلة للوهلة الأولى، وكثير من سيّاح العالم من يبدي اهتماماً بالغاً بالثقافات والديانات وأسرارها أثناء السياحة وينقب دائماً عن أسرار التعلق والانتماءات المختلفة، وبين هذا وذاك أين من يشير إلى الشمس!
إنّ نشر الإسلام وإيصال صوته للكون هو ليس مسؤولية الدعاة وحدهم، انه حضور أرواحنا التي تعتنق ديناً استطاع احتواء الإِنسان وتحقيق العدل والمساواة والحرية في حياته للأبد.
إذا كانت مستشارة الدولة الألمانية أنجيلا المسيحية تدعو إلى الحوار الأعمق مع الإسلام، وإذا كانت كاتبة فرنسية شهيرة قد أصدرت كتاباً عن الشخصية الإسلامية عائشة زوجة النبي - صلى الله عليه وسلَّم - . فكيف نخطط نحن للحوار مع العالم أو حتى للسفر دون أن تسقط الهوية في الحدود».