جاسر عبدالعزيز الجاسر
يُنظر إلى القمم التي تعقدها مجموعة العشرين، التي تضم أهمّ الدول وأكثرها تأثيراً على الاقتصاد العالمي، على أنها «مجلس أممي» يهندس اقتصاد العالم وينسِّق في علاقات الاقتصاد بالأمن والسياسة والاستراتيجيات، فمجموعة العشرين التي بدأ قادتها قمّتهم في مدينة أنطاليا التركية أمس الأحد، بمشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ورؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا، ورؤساء حكومات بريطانيا والهند واليابان والمستشارة الألمانية، وقادة الدول الأخرى، في واحدة من أهم الاجتماعات التي تمزج بين الاقتصاد والتجارة الدولية والقضايا السياسية، بما فيها الأزمات الدولية التي تتركز أغلبها في منطقتنا العربية، فبالإضافة إلى مناقشة انخفاض أسعار النفط وتأثير تذبذب هذه الأسعار على اقتصاديات الدول النامية، وتفعيل التبادل التجاري بين الدول ومعالجة العوائق التي تعترض التعاون المشترك بين الكتل الدولية، وبالذات بين الدول الصناعية الغنية والدول النامية التي تعاني بعضها من تراجع اقتصادي، يهدد باندلاع موجة جديدة من التباطؤ الاقتصادي الدولي. كما أنّ القادة سيناقشون الآثار المدمرة للمناخ العالمي التي أخذت تظهر في شكل كوارث مناخية وبيئية، تمثّلت في حصول فيضانات وإعصارات ضربت العديد من الدول. كما أنه سيكون للملفات السياسية حضور لافت هذه المرة في قمة أنطاليا، ويأتي في مقدمة هذه الملفات، ملف الإرهاب وتشعُّباته المتمثلة في تسبُّبه في تدمير أمن واستقرار دول عديدة في المنطقة، فقد ساعد تسلُّط الدكتاتوريين والأنظمة المستبدّة في نموّ الإرهاب، وجذب الجماعات الإرهابية إلى المنطقة، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن، ولهذا فإنّ أزمات هذه الدول ستكون حاضرة وبقوة أمام القادة في قمة أنطاليا. ولعله ستكون المرة الأولى ومنذ إنشاء هذه المجموعة عام 1999م، أن تزاحم القضايا السياسية الاهتمامات الاقتصادية، كون هذه المجموعة أنشئت لتطوير آليات وتفعيل المبادرات الاقتصادية وإصلاح الخلل، نتيجة تفرُّد مجموعة من الدول في صُنع القرار الاقتصادي الدولي، والتي أصبحت أكثر ثراءً على حساب تراجع اقتصاديات الدول الأخرى. وبعد تفاقم الأزمات الاقتصادية الدولية في أواخر القرن الماضي، بادرت الدول الصناعية السبع بحثّ الدول النامية الأكثر تقدماً والتي تعرّض بعضها إلى أزمات، إلى إنشاء مجموعة العشرين من الدول الصناعية السبعإضافة إلى المملكة العربية السعودية والصين والهند والبرازيل والأرجنتين والمكسيك واليابان وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وجنوب أفريقيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وقد عقدت مجموعة العشرين العديد من مؤتمرات القمة، حيث شهدت دولها كلّ عام مؤتمراً على مستوى قادة الدول، كانت للمملكة العربية السعودية مشاركة فعّالة ومهمة، وقدمت العديد من المبادرات والدراسات التي ساهمت في معالجة الكثير من الإشكاليات الاقتصادية، وقد عقدت آخر قمة العام الماضي في أستراليا، واليوم تشهد تركيا القمة الحالية، في حين ستستضيف المملكة القمة القادمة.