د.ثريا العريض
أتابع ما يجري في أنطاليا بتركيا في اجتماع مجموعة العشرين.. حيث يرأس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفداً عالي المستوى للمشاركة في هذا اللقاء ضمنهم ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع ووزراء الاقتصاد والنفط والتجارة والصناعة, حيث تركيز هذه القمة على ما يتعلق بتنمية الاقتصاد عالمياً وحماية مساره عبر التنسيق المدروس.. ولم أطلع بعد على البيان الختامي وسأتناوله معكم في حوارات لاحقة. آخر قمة لمجموعة العشرين كانت في برسبين بأستراليا.
المملكة هي الدولة العربية الوحيدة في عضوية هذه المجموعة العالمية التي تضم 20 عضواً من الدول المؤثرة في مستقبل الصناعة وحركة الاقتصاد العالمي واستقرار أوضاعه. والمملكة هي أيضاً إحدى ثلاث دول إسلامية أعضاء فيها. ولذلك فوجود المملكة له أبعاده المهمة في توضيح موقع المملكة العربية السعودية في ساحة التفاعلات العالمية المتصاعدة يوماً بعد يوم في ظل المتغيرات المفاجئة المتسارعة والهزات غير المتوقعة التي تهدد الاستقرار المطلوب عالمياً لاستدامة الأمن والتنمية؛ من ذلك حالياً تقلقل الاقتصاد العالمي، والتقلبات في الساحة بين العرض والطلب في سوق الطاقة بين التصدير والاستيراد وتغير الشركاء والتحالفات بناء على ذلك.. وكذلك الصراعات الدامية في منطقة الشرق الأوسط, وتداعيات ما سمي بالفوضى الخلاقة, وبالربيع العربي ونتائج ذلك من أوضاع الهاربين من الموت في أوطانهم جوعاً أو قتلاً أو ضحايا للإرهاب بشتى صوره, وأعنفها وأكثرها دموية وتوحش «داعش» واجتذابه لكل الغاضبين على أوضاعهم المحلية مجتمعياً واقتصادياً وسياسياً. وما نتج عن هذه التداخلات من تدفق اللاجئين من آسيا وإفريقيا عبر تركيا واليونان والبحر المتوسط إلى أوروبا ودول العالم المستقر طلباً لفرصة العيش بسلام.
المنطقة العربية جغرافيا قريبة عبر البحر المتوسط وبحر العرب من أوروبا وآسيا وتمثل جسراً يعبر ثقافياً واقتصادياً عبر قارتي إفريقيا وآسيا. وقد خضعت لموجات من الاستعمار منذ نشاط الأساطيل البرتغالية والغزو البريطاني مؤسسا للكومنولث والغزو الفرانكفوني لشمال إفريقيا وشرق المتوسط. ولنا علاقات مع الولايات المتحدة وروسيا نتأرجح فيها بين القطبين المتنافسين على إبقائنا في موقع التابع للهيمنة والمشتري للمنتجات والموقع الغني بالآثار المغري بالزيارة والسياحة بأرخص تكلفة للسائح من العالم الأول والثاني.
الاستعمار الحديث للمنطقة في صورة استثمار اقتصادي خارج نطاق طريق الحرير من آسيا لأوروبا ناقلاً البهارات والصناعات الآسيوية التقليدية، بدأ باكتشاف النفط في الشرق الأوسط. ومساعي الهيمنة على مصادر الطاقة أول من بدأه الولايات المتحدة الأمريكية حين شرعت الشركات في التنقيب للبحث عنه في أغنى حقوله بمنطقة الخليج من العراق لإيران ممتداً في الخليج حتى عمان. ولكن مع الوعي بالموارد وحقوق المواطنة ورفض الاستغلال الفوقي تغيرت خارطة العالم الاقتصادية والتواصلية. غابت الأساطيل الغازية وانتفضت آسيا وإفريقيا ضد الاستعمار الاقتصادي. ومع تغير الطاقة المحركة للصناعة ووسائل النقل إلى النفط ثم زرع إسرائيل كمسمار جحا صهيوني يستجلب الشقاق، أصبح الشرق الأوسط في مركز الاهتمام إقليمياً وعالمياً, سياسياً واقتصادياً وإنسانياً.
المملكة العربية السعودية منذ بداية تأسيسها كدولة مؤسسات حديثة، ظلت ملتزمة بسياسة الثقة المتبادلة، واستدامة إيجابية الاستقرار والبناء في صلاتها مع جارتها الأقرب هوية عربية وإسلامية ثقافياً وإقليمياً, وجغرافيا مع شركائها في العلاقات البينية والتحالفية من حيث التعاملات الاقتصادية, وهم الشركاء الأبعد جغرافيا في أمريكا وأوروبا وآسيا واستراليشيا. ومن هنا تأتي أهمية حضور المملكة ضمن الدول المؤثرة، للتعاون في بناء مستقبل عالمي واقتصادي أفضل. ومستقبل مستدام الأمن في الجوار.