عمر إبراهيم الرشيد
الإنسان مجبول على حب المنفعة والخير والسلامة، وكره الشدائد والأزمات مع علمه بحتميتها وما الشعوب إلا بشر يخضعون لهذا الناموس الذي جبلهم الخالق تعالى عليه. ولكل شيء وجهان ولاشك، فكما أن للرخاء والنعم أثراً ينشده الإنسان منذ خُلق، إلا أنّ الانغماس فيه حدّ الدّعة والترف الباذخ
يؤدي إلى ما يعرفه كل متبصر من تفسخ وضعف اجتماعي له عبر التاريخ آلاف الشواهد. كما وأن الشدائد والأزمات والبأس لها آثارها المعروفة لدى بني البشر منذ فجر التاريخ، تختلف درجات التأثر بها حسب قوة أو ضعف مجتمع عن آخر، أو حضارة عن أخرى. فالأزمات تولد منها الفرص، فمن لا يرى فيها إلا الشرور وسوء الطالع وقاصمة الظهر، ومن يرى فيها تحدياً يستفز طاقات كامنة لم تجرب، وفرصة سانحة لتقوية جوانب ضعيفة والتعلم من أخطاء ارتكبت لاستشراف مستقبل أقوى وأنجح. نعلم جميعاً تأثير تذبذب أسعار السلعة الاستراتيجية للدول النفطية ومنها المملكة التي يعتمد اقتصادها عليها، وتراجع سعر البرميل إلى أكثر من النصف وتأثيره على المداخيل والموازنة بشكل عام. إلا أن هذا التراجع قد سرّع من وتيرة العمل على تنشيط وزيادة الاستثمار في مجال التعدين الذي تحوز فيه المملكة على ثروة معدنية استراتيجية تسهم في إيجاد مصدر آخر للدخل، إضافة إلى البتروكيماويات التي تعد مصدراً للصناعات التحويلية. ولا يخفى كذلك قطاع الخدمات الذي يعد في بعض الدول المصدر الأساسي للدخل، فما البال في بلد شاسع المساحة كالمملكة فهكذا قطاع يضخ في دورة الاقتصاد الوطني مداخيل هائلة، ويوفر فرص عمل ويساعد في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مثل قطاعات النقل والترفيه والسياحة والفنادق وغيرها مما يندرج تحت مظلة الخدمات.
ولعل مجال النقل أهم قطاعات الخدمات وأخطرها، ومما يبشر تلك النقلة التي سيشهدها قريباً هذا القطاع عبر تدشين خطوط القطارات التي تربط بعض مدن المملكة مثل قطار الحرمين وقطار الشمال، إضافة إلى مشاريع المترو والنقل العام، مما يسهم في تنشيط قطاع السفر والتنقل للبشر والبضائع ومن ثم الاقتصاد والتنمية الاجتماعية تبعاً وأثراً دون شك. فلا قطاع خدمات متطور وفعّال ورافد للاقتصاد الوطني دون شبكة قطارات حديثة، فالطرق البرية لوحدها لا تصنع قطاع خدمات، ولا خطوط الطيران التقليدية الباهتة الأداء كذلك، بل كل هذه مجتمعة برية وحديدية وجوية مكملة لبعضها، على أن تكون فعّالة وعلى أعلى المواصفات ورابطة لمناطق المملكة جميعها. وتباعاً تأتي الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية وغيرها، مما يشكل روافد اقتصادية وحضارية واجتماعية وقوة لهذا البلد المعطاء. لعل في هذا المنعطف الاقتصادي وما تمر به المملكة ودول الخليج من تحديات اقتصادية وسياسية جسام فرصاً سانحة لاستلهام العبر والدروس في كل المجالات، ومنها المجال التنموي عمرانياً وبشرياً، والاستثمار في البشر هو عماد القوة والنماء، ولنا في سنغافورة وماليزيا أمثلة شاهدة يحسن استقراؤها، لأن ظروفها قبل نهضتها ربما كانت أسوأ من ظروفنا، إلا أنها نفضت عنها رداء التخلف عبر استثمارها في العقول قبل الجسور، طابت أوقاتكم.