هاني سالم مسهور
قبيل الجلوس إلى طاولة المفاوضات أو المشاورات اليمنية في جنيف أو غيرها نجح التحالف العربي في إحداث تحول كبير على أرض المعركة التي باتت فعلياً أقرب إلى دحر مليشيات الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح، فالانتقال العسكري من جبهة مأرب بعد تأمينها إلى جبهة تعز صنع تحولاً مهماً في العمليات العسكرية بعد أن استدرجت المليشيات الحوثية إلى تخوم محافظة الضالع، وتتقدم قوات التحالف العربي مدعومة بالمقاومة الجنوبية في عدد من الجبهات المحيطة بمحافظة تعز.
نكتب الآن والمقاومة الجنوبية تسيطر بالكامل على الراهدة بعد أن سيطرت على الوازعية مما يؤكد أن تحرير محافظة تعز بات مسألة محسومة وأن على المجلس العسكري والمقاومة الشعبية في تعز انتظار لحظة تمشيط المحافظة بعد أن تتم قوات التحالف العربي والمقاومة الجنوبية عملياتها العسكرية في أطرافها وترك المجال للمليشيات الحوثية للفرار نحو الشمال باتجاه محافظة ذمار أو الاستسلام للتحالف العربي.
التطورات السريعة في ميدان المعارك تتواصل حتى باتجاه العاصمة صنعاء التي يبدو أن عدداً من القبائل المحاذية لها بدأت تشعر بأن عليها أن تتحرك ضد هذه المليشيات الانقلابية، هذه المشاهدات على الأرض لا يمكن أن تخرج عن مشهد آخر كان خاطفاً عندما قام مجهولون بالهجوم المسلح على نقاط للجيش اليمني في مدينة شبام التاريخية بحضرموت، وفي حين أعلن تنظيم «داعش» المتطرف مسؤوليته عن العملية فإن الحادثة لا يجوز إخراجها من سياق كل ما يجري في اليمن عسكرياً وحتى ما سيكون سياسياً.
تشعر المليشيات الحوثية وشريكها المخلوع صالح بأن خسارتها لتعز بعد أن خسرت مأرب وهزمت في عدن أن فرصة الإبقاء على ما تبقى لها من وجود على الأرض سيتلاشى نهائياً في المفاوضات السياسية التي ستجري وفق مرجعيات رئيسة ثلاث هي القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، هذه المرجعيات والواقع الميداني تضع الحوثيين وحليفهم المخلوع صالح في وضع صعب على طاولة التفاوض السياسية.
هنا تكمن خلفية العملية العسكرية التي وقعت في حضرموت صباح 20 نوفمبر، فتنظيم القاعدة الذي يسيطر على مدينة المكلا بساحل حضرموت والتي تؤكد عديد من المصادر بأن أفراده هم من الذين تخلوا عن بزاتهم العسكرية في المعسكرات وظهروا حالياً في صفوف القاعدة يتبعون عملياً للمخلوع علي عبدالله صالح وهم أحد أذرعته المهمة التي سيستخدمها في توقيت كهذا، وهذا ما توحي به العملية الأخيرة في شبام الحضرمية.
إسقاط كامل حضرموت وإعلانها ولاية إسلامية هي كرت من كروت علي عبدالله صالح وشركائه الحوثيين ليقايض بها الحكومة الشرعية في المفاوضات السياسية، صنعاء مقابل حضرموت، وهذا كرت خطير قد يجد من خلاله الانقلابيون فرصة تمكنهم من الإفلات وتحقيق مكاسب سياسية عجزوا عن تحقيقها على الأرض.
منذ الظهور الحوثي في المشهد السياسي عام 2004م لم يعرف اليمنيون منهم صدقاً يُذكر، ولم يعرف لهم أحد التزاماً حقيقياً في كل المراحل التي أوصلتهم للانقلاب السياسي بعد رفضهم لمسودة الدستور اليمني والتي حملت مخرجات الحوار الوطني التي كانوا جزءاً منه، لذلك يذهب الحوثيون إلى المفاوضات بعد أن تضاربت الأنباء بقبولهم للتفاوض وبعد تردد طويل وضغوط هائلة تشكلت عليهم ليقبلوا بالتفاوض السياسي، وعندما قبلوا كانوا يمتلكون على الأرض كلاً من مأرب وتعز، ولكن الواقع اليوم تغير وأصبحت صنعاء كلها على أبواب التحرير من قبضتهم.
معركة الأمتار الأخيرة باتت أكثر سخونة وسرعة وتغيراً دراماتيكياً في محاورها العسكرية نتيجة اقتراب المحك الحقيقي في المفاوضات والتي لابد أن تتمسك فيها الشرعية اليمنية بذات المنهجية التي نجحت فيها قيادة المملكة العربية السعودية بشكل محدد عندما نجحت في تحييد الخصوم الإيرانيين في المشهد اليمني عسكرياً وفرضته بعد ذلك سياسياً، هذه هي المنهجية التي يجب أن تسير على خطاها الحكومة الشرعية بأن تحرص على تجنيب سقوط حضرموت بيد تنظيم القاعدة وتذهب للمفاوضات لترغم الانقلابيين أولاً على إطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم وزير الدفاع محمود الصبيحي وتكون المفاوضات بوجود مستشارين تابعين للتحالف العربي ليعرضوا على المفاوضين واقع الأرض التي تعود لشرعيتها السياسية وفقاً للقوة العسكرية وهي اللغة التي يدركها الانقلابيون الذين لطالما نجحوا في جرجرة اليمن داخل دهاليز السياسة حتى أوصلوه إلى ما وصل إليه.