د.دلال بنت مخلد الحربي
انتهيت قبل أيام من قراءة كتاب (العرب والإسلام في مرايا الاستشراق) لمؤلفه سالم حميش والمعروف في بلاده المغرب بـ(بنسالم حميش)، وهو أستاذ الفلسفة والروائي والشاعر الكبير والذي شغل منصب وزير الثقافة في حكومة عباس الفأسي (2009- 2012).
والكتاب صدر عن دار الشروق في القاهرة في عام 2011. وموضوعه الاستشراق كواقع معرفي مارسته أوروبا على الشرق وبشكل واضح منذ القرن التاسع الميلادي وإن كانت إرهاصاته قبل هذا التاريخ، لكن المؤلف يضع إطاراً فلسفياً لموضوعه المتشابك على الأسس الآتية:
رصد العينة التجريبية المحددة من حيث المكان والزمان، وتقيم الإشكالات النظرية التي من شأن تلك الحركات أن تقترب منها على ضوء اللغة وتخصص الاستشراق في تاريخ وثقافة المنطقة العربية بشقيها المشرقي والمغاربي ومواكبته للاستعمار والاستقلال، كما انطلق المؤلف في كتابه عبر تساؤلات من أبرزها:
1 - إذا كان مبرر الاستشراق الحاجة إلى معرفة الآخر فما هي في مساره المركبات والمحطات التي يمكن أن تسهم في ترقية الذات المدروسة بذاتها وأن تدل أيضاً على صفات وأحوال الذات العارفة بنفسها؟
2 - ما هي الصور المرآتية التي كوّنها الاستشراق عن الشرق والإسلام والإنسان العربي؟
3 - رصد مواقف المثقفين الباحثين العرب عن الاستشراق.
وكان المؤلف يريد أن يصل لإجابة عن السؤال المحور للكتاب وهو: (هل يمكن تحويل التراث الاستشراقي إلى موضوع وقاعدة من قواعد الانطلاق لتأسيس معرفة بالآخر الذي هو بالنسبة إلينا الغرب وذلك بتوفير مقاصد جديدة تصب كلها في اتجاه إيجاد توازن في القوى وشروط الحوار الحيوي المستدام).
وفي خمسة فصول يتنقل بك المؤلف عبر طرح فلسفي نقدي أكثر من رائع وبحس عربي يحاول كشف زوايا هي غائبة في مؤلفات سابقة عن الاستشراق ومركزاً على شخصيات وفق منهجه الذي حدّده منذ البدء، ولعلي هنا أشيد بعمقه في توضيح الفكرة بفكرة والرأي برأي بخروج مختلف عن الآراء السائدة عن الاستشراق ليصل إلى رأي أنقل منه الآتي: (إن كل علاقة مع تاريخ الاستشراق تتأسس على منطق التضاد والصدام قد أضحت غير ذات مضمون وبالتالي فإنه من غير المجدي الآن أن نستمر في استفراغ الجهد والطاقة للرد على ما سماه شيوخ ومثقفون مسلمون منذ منتصف القرن التاسع عشر بأطروحات المستشرقين المغرضة أو للتصدي لهذه الرؤية الخاطئة أو تلك التي كوّنها وأشاعها هؤلاء عن طبيعة العرب وعقيلتهما) ويدعو المؤلّف إلى المهمة الملقاة علينا بعد انسحاب الاستشراق من ميادينها الدراسية إلى: تحديث علاقتنا بتراثنا التاريخي وتحديث علاقتنا بالآخر والسياسة.
ولعلي هنا أقف عند أحد الحوارات التي أجراها المؤلف مع المثقفين الباحثين وأحدد حسن حنفي المفكر المصري الذي دعا إلى إقامة علم الاستغراب وفيه يكون الشرق ذاتاً والغرب موضوعاً من أجل التحرّر من تبعية المعرفة الاستشراقية ومن أجل معرفة الآخر على ما هو عليه وليصبح علماً دقيقاً يصف تكوين الشعور الأوروبي وبنيته ومصادره ومصيره.
ومن المؤكد أن هذه هي إجابة السؤال المحور الذي أشرت إليه في بداية المقال وهو ما يدفع بي قناعة بالاهتمام بعلم الاستغراب الذي له بدايات لدينا عبر سلسلة من الدراسات التي نشرت لكنها لم تستمر ولعل واقع الحال الذي تعيشه منطقتنا والعالم بأسره تقتضي أن نسرع في الاهتمام بهذا العلم فهو مفتاحنا لإقامة حوار ناجح مع الغرب تتضح معه حقيقتنا بعيداً عن الصورة التي شوَّهت من قبل من يدّعون أنهم من العرب والمسلمين.