علي الخزيم
عند بعض الأوساط الاجتماعية تبرز كلمات وعبارات ذات مدلولات محددة قد لا تكون هي ذاتها عند مجتمع آخر، فهنا لو قلت في مجلس أن فلاناً (مُرَوّج) لانصرف ذهن السامعين إلى أنه يقترف جرائم توزيع وتجارة المخدرات، ولو قلت عن أحدهم أنه (مُدْمن) لفهم من كلامك أنه يتعاطى المخدرات والسموم والكحول باستمرار، مع أن الترويج مفهوم تجاري تسويقي لكافة البضائع، والإدمان يمكن أن يكون على بعض العلاجات والأدوية للأمراض المزمنة، فمفهوم الجريمة عند فئة من البشر محصور بالقتل والمخدرات والسرقات ونحوها من الأمور الظاهر خطرها، غير أن من الجرائم ما لا يقل جرماً وفتكاً بالمجتمع؛ وهي الجرائم المتسترة بالدين والتقوى وادعاء الصلاح، بل ممارسة الدين والصلاح بصورة تمثيلية هزلية تنم عن انفس دنيئة، وقلوب حجرية أبعد ما تكون عن سماحة الدين، إذ أنها تبتدع الحيل للفتك بالضحايا وابتزازهم مُتّقِية بعباءات الناسكين الصالحين، فيما قلوبهم ساحات مُشْرعة لأبشع صور الخداع.
مجرم المخدرات ومُصَنّع الخمور ومروجها (في الغالب) يعمل بطبيعته وما تمليه عليه نفسه الشريرة وكل همه المال لكنه لم يلبس لباساً غير لباسه ولم يَدّع أنه فضيلة الشيخ أو الداعية ومفسر الأحلام والراقي المتميز، هو مجرم يعمل والخوف يملأ جميع حواسه، ويعيش ساعات يومه قلقاً متوتراً، ويخترع الحيل للاختفاء من اعين كل رقيب، بينما المجرم الرقيق اللطيف مُدّعي الاحتساب وحب الخير عن طريق الرُّقية وتفسير الاحلام والاتقاء بالدعوة إلى الله فهو يعمل مُطْمَئِن البال ينام هانئاً قرير العين لا سيما إذا ادخل بحسابه البنكي حصيلة (خداعه اليومي) من جيوب البسطاء والمُبْتَلِين بالأمراض والعلل النفسيةً ونحوهم.
نعم؛ صحيح ليس كل الرقاة ومفسرو الأحلام فاسدون مخادعون، بل إن منهم من يُشْهَد لهم بالصلاح والتفاني بحب الخير، وبينهم من يخسر من ماله في سبيل خدمة المُبْتَلِين والمرضى والمُعْتلّين، لكن الحديث عن فئة استثمرت جهل الناس وحاجتهم وتعلقهم بكل ما من شأنه شفاؤهم، ولاذت بافتقاد أنظمة تمنعهم من العبث بمشاعر وعقول الضعفاء والمهزومين أمام الأمراض والعلل المتكالبة عليهم، أو المخدوعين بدعاياتهم المظللة بقدرتهم على جلب السعادة وفتح أبواب الرزق بتفسير احلامهم حتى لو كانت أضغاثاً، ويستخدمون طرقاً للترهيب والتخويف من عواقب المستقبل وابتزازهم بأموال لاحق لهم بها، ومن أبواب جلب السعادة المُبْتَدعة عند هؤلاء الأفاقين هو مساعدة الراغبات بالطلاق، ألم تأتكم أخبار احتفالاتهن بطلاقهن حتى بالمدارس؟!
قائمة تطول من القصص المضحكة الكوميدية عن أشقياء أو ممّن ضاقت بهم الدنيا في سبيل العيش فامتهنوا (دون علم) الرقية وتفسير الأحلام وادعاء الخبرة بطب الأعشاب ونحوه من وسائل الكسب غير المشروع كمصدر للدخل ولا أقول (الرزق) لأن الرزق من صفات الحلال المباح، لم يكن لكل أولئك الكاذبين أن ينجحوا لو توفر نظام لهذه المهن بإشراف جهات اختصاص مؤهلة.