يوسف المحيميد
إذا كانت شرارة الحرب العالمية الأولى جاءت بسبب اغتيال شخص، هو ولي عهد النمسا فرانز فرديناند على يد طالب صربي، لتعلن الأمبراطورية النمساوية الحرب على صربيا، وباعتبارها محمية روسية، ستتدخل روسيا لحمايتها، قبل أن يتسع الخلاف، ودون أن تدرك روسيا أن تدخلها سيقود دول أخرى إلى الدخول في الحرب تباعاً، حتى تصبح حرباً كونية كارثية، فهل يعقل أن يكون مقتل طيار روسي، دخل بطائرته مجالاً جوياً لإحدى دول حلف الأطلسي (الناتو)، مدخلاً لحرب كونية تدمر هذا الكوكب الجميل؟ أم أن روسيا تعلمت فعلاً من درس الحرب العالمية الأولى عام 1914؟
وفي الوقت الذي طالب فيه بوتين أن تعتذر تركيا عن إسقاط المقاتلة الروسية، جاء الرد من التركي أردوغان بأن تركيا لن تعتذر، فالطائرة اخترقت المجال الجوي التركي، وتم إنذارها دون استجابة، مما اضطر المقاتلات التركية إلى إسقاطها، وفي الوقت الذي لم يجب الرئيس الروسي بوتين على اتصالات أردوغان، ذكر أردوغان بوضوح أن روسيا جاءت إلى سوريا، لا لتقاتل تنظيم (داعش) كما يظن العالم، وإنما جاءت لتحارب المعارضة السورية، وتقف علناً بطائراتها الحربية مع الأسد ونظامه، تماماً كما فعلت قبل قرن تقريباً، حينما هبَّت للدفاع عن صربيا، بسبب طالب مراهق ارتكب حماقة قتل ولي عهد دولة أخرى، جاء زائراً رسمياً على أراضيها، ها هي تهب لتدافع عن رئيس مراهق، قتل بعض شعبه، وهجَّر ما تبقى من هذا الشعب المظلوم!
هل ما يحدث الآن هو بوادر حرب عالمية ثالثة وشيكة؟ هل روسيا تمتلك من التهور ما يكفي لتشن حرباً على تركيا، أو ترد عليها؟ دون أن تفكر بعواقب الأمور؟ ودون أن تفكر بوعي، بأن المساس بأرض تركية يعني المساس بفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأمريكا و... إلخ، بما يقارب ثماني وعشرين دولة أوروبية هي مجموع دول حلف الناتو؟ الذي من أهم أهدافه استخدام القوة العسكرية للدفاع عن الدول الأعضاء في حال الاعتداء على إحداها؟ فضلاً عن أن تركيا من الدول المؤسسة للحلف، وليست من الدول المنتسبة فيما بعد، خاصة أن الخلف تكون أساساً عام 1949 بسبب توحد القوات السوفييتية في دول شرق أوروبا قديماً.
لست متشائماً حتماً، وافترض أن العالم أصبح أكثر وعياً، وأكثر تعقلاً، وقد كبر وصار عجوزاً، ليصبح أكثر رشداً، رغم أن ذلك لا يكفي، ولا يمنع من تهور العجائز وجنونهم أحياناً، فما زال هناك من القادة المتهورين من لا يقدر عواقب الأمور، خاصة مع الأزمة المالية العالمية التي حدثت قبل ست سنوات، والتي لم يزل العالم يعاني من تبعاتها، وما يمكن أن تتركه من أثر على الأوضاع السياسية بين دول العالم، إضافة إلى تردي أسعار البترول خلال العام الجاري، وتأثيرات ذلك على الدول المنتجة الرئيسة مثل روسيا، مما يجعل الحروب أحياناً مدخلاً لتغيير العالم، ومع ذلك فإن تبعات حرب عالمية ثالثة قد يقضي على منجز العالم العظيم خلال أكثر من نصف قرن، خاصة إذا كانت الحرب قبل قرن، وقبل دخول العالم للنادي النووي، قد أودت بأكثر من عشرة ملايين نسمة، فكيف هو الوضع بعد تطور أسلحة الإبادة؟