د. عبدالرحمن محمد السلطان
إِقرار مجلس الوزراء الأسبوع الماضي لنظام رسوم الأراضي البيضاء يفترض أن يكون مناسبة احتفالية لوزارة الإسكان، كونه أداة مهمة وضرورية جداً لتسهيل الوصول إلى حل لمشكلة الإسكان بالمملكة، إلا أن الغريب أن الأمر بدا في وسائل التواصل الاجتماعي كما لو أنه انتصار على وزارة الإسكان وليس انتصاراً لها، ما يظهر حجم التشويه الذي تعاني منه صورتها النمطية لدى قطاع واسع في المجتمع، وبالتالي حجم الجهد المطلوب القيام به لتصحيحها.
والحقيقة أن هذه الصورة النمطية السلبية لم تأت من فراغ، فالهيئة العامة للإسكان ومن بعدها وزارة الإسكان مضى على إنشائها الآن ما يزيد على سبع سنوات دون أن يسهم وجودها في ترك أي أثر إيجابي حتى ولو محدوداً على مشكلة الإسكان، بل إن مشاريع الإسكان التي تعاقدت الوزارة على تنفيذها جميعها إما متعثرة أو لا تصلح للسكنى بسبب رداءة التنفيذ. ومما يُصعب قبول هذا القصور الواضح في مستوى أداء الوزارة خلال هذه المدة الطويلة جداً هو الدعم اللا محدود من الدولة لها، والذي يأتي على رأسه تخصيص 250 ملياراً لها من فوائض الإيرادات وتوجيه البلديات بتسليم كافة الأراضي التي بحوزتها إلى وزارة الإسكان، والذي لم ينعكس مطلقاً على مستوى أدائها ويجعل من غير الممكن لها تبرير هذا الأداء بقلة الموارد أو محدودية الدعم الذي تلقاه، أو يوجد حتى حد أدنى من القبول لتفسيرها للمشكلة بمبررات تتجاهل الدور الرئيس للاحتكار والغلاء الفاحش للأراضي.
وزارة الإسكان لديها الآن فرصة لتصحيح هذه الصورة النمطية أو تأكيدها بشكل نهائي من خلال ما تقترحه من صياغة للائحة التنفيذية لنظام رسوم الأراضي، فإن خرجت هذه اللائحة حمالة أوجه وغامضة تسهل التحايل على نظام رسوم الأرضي أو توفر حماية من الرسوم لملاّك الأراضي الخام وغير المطورة، بأي حجة كانت، فإن نظام رسوم الأراضي البيضاء سيفقد جدواه، وستبدو الوزارة غير جادة ولا مهتمة في ضمان تنفيذ عادل وحازم لهذا النظام ومن ثم في الوصول إلى حل لمشكلة الإسكان في المملكة، وستضع نفسها عرضة لنقد حاد من المجتمع والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الأرجح لن تمرر مقترحاتها لصيغة اللائحة التنفيذية للنظام. وسيكون كل ما جنته تشويهاً إضافياً لصورتها النمطية التي لا تحتمل مزيداً من التشويه، ولا أعتقد أن الوزارة بحاجة إلى أي من ذلك أو تستطيع تحمله، وعليها إدراك حقيقة توليها للملف الاقتصادي الأهم والأخطر في وطننا وأنه لا مجال لمزيد من التسويف والتأجيل في الوصول إلى حل له.