د.ثريا العريض
في كل الأزمنة يولد العرف والنظام قائمة من الممنوعات فعلا وقولا. وفي كل الأزمنة الممنوع مرغوب وأكثر إغراء بالتهور.
في الماضي كان المتداول إعلاميا أن الأثافي الثلاثة لطبخة المواضيع التي تستخدم في إشعال المجتمع، إلى حد الالتهاب في بعض الحالات، هي ما يمس التجاوزات في الدين والسياسة والجنس. تأتي أحيانا طبخة مكتملة بكل المكونات كما في حكاية شمشون ودليلة.
وفي عالم الكتابة والإعلام ينصح رئيس التحرير الكاتب المتحمس أن يبتعد عن زيادة البهارات، ويتجنب الولوج في هذه النواحي المحملة بالمحذورات والمحظورات التي قد تتفجر في وجه الغافل والمتقصد. وإن فعل فإن قلم الرقيب الأحمر مستعد لحمايته من الانزلاق إلى التهور.
كان المعتاد المتعارف عليه أن تتناول القلة المؤهلة شرعيا فقط المسائل الدينية لمناقشتها، وغالبا يتم ذلك من باب التوضيح للمتابعين والسائلين المستفتين غير المتخصصين. وبالمثل كانت الكتابة في السياسة لا تخرج عن إطار التحليلات العامة للأحداث، وقد تتعدى ذلك إلى تبجيل القرارات القيادية والتصفيق لصانعها محليا ، ونقد وهجاء من يصنف عدوا. أما تناول الجنس فكان يقتصر على كتابات تتدثر في طرح الموضوع بإيحاءات ضبابية ومجازات أدبية وإشارات إلى تفاصيل حياة الفنانين والفنانات والمشاهير عن بعد، وإيماءات إلى ما يدور في فلك العلاقات بين الجنسين دون دخول في التفاصيل.
و مع هذا فقد كانت الكتابة في هذه المجالات الثلاثة أيضا وسيلة للكسب المادي والمعنوي المشروع وغير المشروع. تباع كتب الدين للراغبين في التأكد، ويكتب في السياسة من يتوسل عبرها مصدر دخل يؤمنه من يمدحه فيكرمه ليواصل الكتابة، أو من يذمه فيملأ جيبه ليتوقف عن ذمه. والكتابة في المواضيع الإباحية توفر دخل كاتبها من تراكض المراهقين من كل الأعمار لاقتنائها.
الآن في عصر وسائل الإعلام والتواصل التي ليس فيها رقيب ولا رئيس تحرير حسيب، صارت المحذورات الثلاث مجالا قابلا للدخول دون أن يتأكد حارس عند البوابة من مؤهلات الفرد وأهدافه، كإضافة ممنوعات تتعلق بمظلة الدين إلحادا، أو إقصاء، أو تأجيجا ضد أتباع العقائد والمذاهب الأخرى، أو دعوة للجهاد أو الانقلاب. وكذلك تندس تحت إغواء ممنوعات السياسة مواضيع حساسة تتناول في الغالب دعوة لتغيير السلطة الرسمية وأنظمتها، أو نقدا للسياسات المعتمدة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، أو عدل الأنظمة، أو الفساد الإداري. بينما يستغل إغواء الجنس في إضافات تتعلق بتسويق الإباحية والشذوذ والدعارة، مكشوفة ومقنعة، في حسابات تقدم خدماتها للراغبين. بل قد يجتمع هدفان وأكثر من وسيلة؛ «داعش» مثلا تبث في اليوتيوب ووسائل الاتصال تسجيلات ممسرحة لسيناريوهات يعدها طاقم احترافي مكتملا بكاتب السيناريو والمصورين والممثلين والضحايا، سواء كان الضحايا رجالا يذبحون، أو نساء يعرضن للبيع والإسترقاق، أو أطفالا يجندون. كل الغرائز الدنيا الجنسية والتوحشية تستثار هنا لاجتذاب المزيد للتدعشن حول العالم، لتحقيق أهداف سياسية مستترة.
هكذا في ثورة التقنية الرقمية والتواصل عبر الشبكات تفاقمت النتائج السلبية بسهولة إيصال المحظورات والسلع الممنوعة، بدئا بالأفكار الهدامة كالالتحاق بالمنظمات الإرهابية، ونشر مهاراتها المدمرة، وتسويق المخدرات والأسلحة، وانتهاء بتكوين شبكات إجرامية أو انقلابية تعمل ضد كل الحكومات.
وإلى جانب ذلك تأتي جاذبية الممنوعات أدبيا، كاستخدام لغة الشتم والسباب واللعن حين تحتدم الحوارات بالردود والتعليقات السقيمة من مشاركين لا يجدون ما يسعفهم علميا فيعوضون النقص برجم المحاور.
وبقي أن السلاح الناجع هو ترشيد مؤسسات بناء الوعي العام كالمدارس والمساجد كي لا تكون الوسيلة والحاضنة لتفريخ معتنقي الانحراف والحاضين عليه.
ولنا عودة إلى الموضوع..