د. عبدالعزيز الجار الله
مدينة بريدة واحدة من المدن التي عاشت (مصالحات) عدة مع محيطها ومع البيئة وحتى مع التوليفة السكانية فمن مصالحاتها:
المنخفضات: توطن السكان في المنخفضات مباشرة فالمجتمعات القديمة تجاور المنخفضات ولا تسكنها إلا في القصيم وتراها مجسدة بهذا العدد والكثافة في بريدة، وفي نماذج أخرى قليلة من العالم، فقد بنيت بريدة القديمة ومازالت في الخبوب وهي مساكن ومزارع وواحات وأخاديد بين كثيبين مرتفعين، توطن السكان في بطن الخب وانحناءاته وتجويفات مساره في حقوله الزراعية نظرًا لقرب ماء السقي الزراعي والشرب وخصوبة التربة ولتوفر هدف الحماية الأمنية ومحددًا للأملاك.
الرمل: تصالحها مع الرمل كان نادرًا ولافتًا، لأن بريدة الحديثة نشأت على الرمل، ليست كباقي المدن يتم إنشائها على أطراف الرمل ونهايات الكثبان، بل إن بريدة بنيت على قمم (النفد) في أعالي الكثيب، فلم تأتي الشجاعة للسكان (القدامى) في اعتلاء النفود فبقوا في وهد الأرض، ونتيجة للخبرات المتوارثة والتجاذات بين الإنسان والرمل والتقارب والمراقبة قرر السكان أن يعمروا أعالي الكثبان بالبيوت والأحياء السكنية فهذه مصالحة بين الإنسان والرمل.
الأمطار: تصالحت بريدة مع الأمطار قديمًا بتوفيق من الله أن جعلوا من الكثبان الرملية سدودًا وسواتر تعترض السيول الجارفة، لذا تحولت الخبوب إلى جزر معزولة لتحميها من السيول المنقولة، فغمر السيول بهذه الحالة يكون نسبيًا، كل خب مفصولاً عن الآخر، فكأن المدينة القديمة أشبه بالنواحي المتباعدة لها فواصل طبيعية.
الأودية: تتأثر بريدة بواديين صغيرين قياسًا بأودية القصيم لكن تأثيرهما كارثيًا، يبدأ سيلهما من شمال بريدة ثم يتجه إلى وسط المدينة، هما وادي الفاجرة بفرعية الشرقي والغربي، ووادي ودي، وعلى الرغم من ما تسببه الأودية والروافد من الجراحات والخسائر في الأرواح والممتلكات، أيضًا رغم السجل الطويل من (حوليات) ومواسم الفيضانات إلا أن أهالي بريدة تصالحوا مع وادي الفاجرة وأبقوا على مجراه الخبيب كما كان ليصبح المجرى الشرقي أهم شوارع بريدة التجارية طريق الملك عبدالعزيز، أما وادي ودي فأبقه الاستيطان القديم بلا سكن ولا سكان، حتى جاء الأعمار الحديث ليحوله حاليًا وفي المستقبل إلى الشريان الأكبر في المدينة طريق الملك عبدالله.
أذن بريدة في وضعها الراهن تقوم في معظم أحيائها السكانية على الكثبان الرملية، ويخترق الفاجرة الشرقي أكبر وأهم طرقها ومساكنها ومشروعاتها التجارية طريق الملك عبدالعزيز، ويخترق غرب بريدة الأوسط الفرع الغربي من وادي الفاجرة، كما يخترق وادي ودي أجزاء كبيرة من طريق الملك عبدالله مستقبل المدينة القادم، يضاف إلى أن مجاري الأودية المشار لها تبدأ من أقاصي الحدود العمرانية شمالاً والشمال الشرقي وفي طريقهما تغمر الأحياء الشمالية وبخاصة التي بنيت في المنخفضات والأحياء المغلقة والوسط، وهي أحياء لم تغطيها شبكة تصريف السيول مثل معظم مدينة بريدة.