د. خيرية السقاف
أتأمل في مدى هشاشة الكثير الكثير من «الوسوم» التويترية، المحرضة على الوقوع في شباكها، خوضاً في إجابة، وتعليق، وركض مع الراكضين، فأتخيل ماذا لو اتخذ الباحثون هذه «الوسوم» مادة لدراسات ودراسات عن فكر واضعيها في المجتمع, ومفاهيمهم، وقيمهم، وثقافتهم, وسلوكهم، وخبراتهم, بل خلقهم, وتطلعاتهم، ولغات كل ذلك فيهم..
إن هناك ما يدعو منها للأسى، قد أدت إلى تردٍ كبيرٍ، ألحقته بقناعة أن مجتمعنا «فاضل» بما يكفي للتصدي لهذه الهشاشة، لكنه ليس كذلك، ومنها ما يدعو للحنق على وسائل التواصل التي كشفت عن المخبوء، وأبانت عن هذه الهشاشة..!
الأمثلة كثيرة؛ فهناك «وسوم» تخوض في كل أمر حتى أعراض الناس، ولا تَصْدُق في كل أمر حتى الذي ليس حقيقة في مضمونها..
والمثال على هشاشتها آخر ما جاءت به استهتاراً بالناس مصاغاً كالتالي في هذا الوسم:
«تزوج_ ابنتك_ بأسود»..؟!
يا لفداحة الخلل، ويا لتدني الوعي..
إن الله تعالى حين خلق الأبيض والأسود, والأحمر والأصفر، والعربي والعجمي، والطويل والقصير، والمعافى والمبتلى، والفقير والغني، والصحيح والعليل، إنما جعل لكل منهم لساناً وشفتين، وقلباً وعقلاً، ويدين ورجلين، وعينين وأذنين, ومشاعر وأحاسيس, ثم قال لهم: {إلا من أتى الله بقلب سليم}. ومحك المنزلة بينهم التقوى, لا تفرق بينهم ألوانهم, وإنما تفعل تقواهم,
كل واحد منهم عضو في جسد,
والجسد يتجانس,
وفيه تُجانسهم بشريتهم، وعبوديتهم لخالقهم،
لذا كل منهم مسؤول أن يبصر،
فليبصر في نفسه؛ ليدرك حجمها، وعجزها، وضعفها، وبشريتها، ونزعاتها، ومكامن خيرها، وشرها، وفرائض عبوديتها..
تستبصر لتطيع من خلق، وتعي ما خلق فيها، وما جعل لها، وما قرر عليها..
فالتقوى التقوى, والدين الدين, والخلق الخلق هي هذه محكات فارق التمييز, محدِّدات ضابط الاختلاف, وهي التي تتجلى بالعمل بها.. ولا غيرها..
لا لون، لا مال، لا وجاهة، لا أسرة، ولا اسم، أو سمة..
بلى, هي هذه فقط محكات التساوي, أو موجبات الفرق..!
لكن،
ما يقول المتأملون فيما تطفح به «وسوم» المتسرعين بأيقونات لوحات أجهزتهم،
يكشفون عن هشاشة ما يطرح، وعدم مسؤولية ما ينشر مدى الفضاء الإلكتروني مما يُحزِن, ويُحزِن..؟!!