محمد أبا الخيل
بدعوة كريمة من الأستاذ فهد العتيبي مدير إدارة الإعلام بالمؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني زرت المؤسسة وتشرفت بلقاء معالي المحافظ الدكتور علي الغفيص، واطلعت على ما قامت وتقوم به المؤسسة من جهود مثمرة في تهيئة أجيال من المهنيين السعوديين والدفع بهم للمساهمة في النهضة الاقتصادية المباركة، ويضيق هذا المقال عن تفصيل تلك الجهود لتعددها وتنوعها وانتشارها في ربوع البلاد، لذا سأقتصر على إبراز جانب مهم في الحوار الذي جرى مع معالي المحافظ والذي كان مثيراً للاهتمام، فمع كل هذه المشاريع والمبادرات والمشاركات مع القطاعات الأخرى إلا أن الإقبال على كليات ومعاهد المؤسسة لا يمثل أكثر من (15%) من خريجي التعليم العام، وهذا ليس لقصور في الإمكانات ولا قلة في الموارد ولا ضعف في الرسالة الإعلامية، بل هو في نظري نتيجة لثلاثة عوامل أولها خلل هيكلي في تنفيذ الخطة الوطنية لتنمية الموارد البشرية والثاني توسع وزارة التعليم في افتتاح جامعات جديدة والتوسع في قبول خريجي التعليم العام في تلك الجامعات مما جعلها الخيار الأول، والثالث هو النظرة الاجتماعية للمهنة الفنية، حيث تأتي في مرتبة متدنية مقارنة بالوظائف الإدارية والمكتبية.
بالاطلاع على محور تنمية الموارد البشرية في خطة التنمية التاسعة، يتضح ضعف الفكر الشمولي في تنمية الموارد البشرية، فالخطة تسرد خططاً منفصلة للقطاعات المسؤولة عن تنمية الموارد البشرية, وكأنها جزر منفصلة عن بعضها، فليس من بين أهداف التعليم العام إعداد الطلاب لمرحلة التعليم العالي أو الفني والمهني، وليس بين أهدافه تنمية الوعي التنموي لدى الطلاب كما أن التعليم العالي يفتقد للتوازن في برامجه ومخرجاته حيث تمثل العلوم الإنسانية والإدارية والتربوية والشرعية (68%) من مجمل التعليم الجامعي، ومعظم هذه التخصصات ليست تخصصات مهنية، لذا يواجه الخريجون منها عسراً في التوظيف وقلة في فرص العمل، في حين تفتقر الخطة لمفهوم واضح عن التنمية المهنية، فنجدها تعتبر التدريب الفني والمهني ضمن التدريب العام.
وهذا لاشك إقلال من أهمية بناء الكفايات الفنية والمهنية، وبالتالي القصور في دعم القطاعات الإنتاجية الاقتصادية بموارد بشرية وطنية.
معظم دول العالم المتقدم لديها خطط تنمية موارد بشرية شاملة، تضع أهدافاً تنموية تتظافر لتحقيقها جميع القطاعات التعليمية والاجتماعية والتدريبية بصورة متجانسة ومتكاملة. والتي من أهدافها بناء مخزون وطني مهاري ومعرفي يدعم التنمية والإنتاج ويعزز القدرة التنافسية للاقتصاد، لذا نجد الصين اليوم تحول عدداً كبيراً من الجامعات النظرية الى جامعات فنية ومهنية، وفي الولايات المتحدة تضع المرشحة للرئاسة (هيلاري كلينتون) ضمن برنامجها الانتخابي، توسعة التعليم التقني والتدريب المهني لتحقيق تنمية إنتاجية وتعزيز قيمة التعليم والعمل، لذا نحن اليوم بحاجة لمثل هذا الفكر في بلادنا، فالواضح أن لا مستقبل تنموي لنا بدون تنمية وسائل الإنتاج وجعل العمل المهني عملاً مربحاً وجذاباً.
واليوم بات لدينا مجلس للشؤون الاقتصادية والتنمية، يشترك في عضويته معظم الوزراء وتناقش فيه كل الخطط والبرامج التنموية وتنسق الجهود، لذا من المناسب أن يكون هذا المجلس هو معمل بناء الإستراتيجية التنموية الشاملة للبلاد ووضع الخطط الاستراتيجية الخمسية بدلاً من وزارة الاقتصاد والتخطيط، فللمجلس سيادة شاملة تجعله أقدر في وضع الأهداف الشاملة والتي يجب تحقيقها بتظافر جهود قطاعات مختلفة، وأقدر في متابعة تنفيذها، وأقدر في التدخل والدعم عند القصور في الأداء أو الموارد.
نسأل الله التوفيق لكل جهد يعلي شأن هذه البلاد ويعزها.