د. عبدالرحمن الشلاش
الغرقة الأولى التي داهمت بريدة وهدمت مساجدها وبيوتها ومتاجرها كانت في 12 جمادى الأولى عام 1376هـ. في تلك السنة وبحسب الشيخ إبراهيم بن عبيد العبد المحسن - رحمه الله - في كتابه حوادث الزمان، والتي سماها أهل بريدة سنة الغرقة لغرق الناس من كثرة الأمطار، أو سنة الهدام لتهدم البيوت، خرج الناس للأماكن المرتفعة فارين من المياه العظيمة التي أحالت بيوتهم الطينية إلى أكوام من التراب الذائب وسط الأودية الناقلة للسيول، أو وسط الحفر والمسايل والمستنقعات الكبيرة. هرب الناس يبحثون عن أي مكان مرتفع في شرق المدينة، وكان أكثر الناس غنى من يضع بساطاً يقيه وعائلته من المطر الشديد.
أما الغرقة الثانية التي فاجأت سكان بريدة فكانت يوم الاثنين الماضي 11صفر 1437، انهمرت السماء وجادت بسيول عظيمة وتعانقت مع الأرض فتحولت الشوارع إلى بحيرات وبرك ومسابح، وكأن التاريخ يعيد أحداث الغرقة الأولى لكن بصيغ أكثر حداثة. هرب الناس إلى خارج المدينة لكن هذه المرة للاستراحات والشاليهات التي فتحها أهلها المحسنون للمتضررين، ودفع أهل البر والإحسان بآلاف الفرش والبطانيات والأكل والشرب في بادرة غير مستغربة من أهل بريدة الذين سطروا مثل هذه المواقف في أكثر من مرة، وهم عندما يجدون أنفسهم أمام مواقف تستدعي مد يد العون والمساعدة والفعل الإنساني الجميل لا يترددون لحظة واحدة، فهم لا يتقهقرون ولا ينكصون بل يقدمون بنفوس راضية باذلة بسخاء لإنقاذ الأرواح والأنفس قبل فوات الأوان، لذلك ضجت مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الهاشتاقات بنداءات متكررة من أبناء المدينة لإنقاذ من احتجزتهم السيول.
بين الغرقة الأولى والثانية واحد وستون عاماً تغيرت فيها أمور كثيرة إلا تضاريس المدينة فهي بين كثبان رملية في غربها وشرقها وجنوبها وأودية وشعاب في شمالها، وأراض منخفضة في وسطها فالخبيب الطريق الرئيس في المدينة عبارة عن واد طويل يستقبل المياه من الشعاب الصغيرة من مرتفعين طويلين يمتدان من الشمال إلى الجنوب، وعند هطول الأمطار بغزارة تتحول الشوارع المنحدرة للخبيب إلى شعاب وأودية صغيرة تجد مساراتها سالكة إلى الشارع الأشهر في المدينة. هذه الطبيعة التضاريسية الصعبة والمهددة لسكان المدينة عند هطول الأمطار هل كانت تخفى على من عملوا في بلدية بريدة ثم أمانة القصيم فلم يعالجوا الأوضاع بتنفيذ مشروع محكم لتصريف سيول المدينة وبنسبة 100 %.
أمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود والذي باشر الحدث بنفسه كان صريحاً وواضحاً عندما أكد لوسائل الإعلام بأن ما حدث كان نتيجة لضعف شبكات التصريف والتي لا تغطي سوى 15 % فقط من المدينة ويتبقى 85 % من بريدة بدون تصريف، فمن الطبيعي جداً أن لا تجد المياه طريقاً يغمرها تحت الأرض لتستقر فوق سطحها فتداهم البيوت والمحلات وتطمر السيارات ثم تجرفها لمسافات بعيدة.
ما بين الغرقتين مسافة من الزمن واختلاف في الظروف الاقتصادية والبنية التحتية، لكن ظلت بريدة بتضاريسها في حالة تهديد مستمر يستدعي من أمانة المنطقة التحرك بجدية لحل هذه المشكلة كي لا يتكرر ما حدث. المبادرة بطرح مشروع لاستكمال شبكات الصرف هو المطلب لسكان بريدة، والكرة الآن في مرمى الأمانة!