د. فوزية البكر
إنه عرس حقيقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى: أن تتمكن المرأة السعودية من الترشح والترشيح في الانتخابات البلدية خاصة بعد تعديل نظامه الأساسي بجعل تعيين ثلثي أعضاء المجلس البلدي عن طريق انتخابهم وفقط الثلث (بعد أن كان النصف) هم من المعينين.
ولفهم دلالة هذه المشاركة التي ضجت وستضج بها قنوات العالم الإعلامية يجب العودة إلى التاريخ الطويل من المطالبات منذ العام 2004 حين صدر قرار الدولة بالسماح للمواطنين السعوديين بالمشاركة والانتخاب في المجالس البلدية، ووضعت شروط المشاركة في هذه الانتخابات بحيث تم حصرها في المواطنين السعوديين ممن بلغوا 21 سنة غير العسكريين والذين يجب أن يكونوا مقيمين في دائرتهم الانتخابية لمدة لا تقل عن 12 شهراً قبل مشاركتهم، ولم يحدد في المواطن الراغب في المشاركة في هذه الانتخابات بأن يكون ذكراً أو أنثى، وهو ما دفع عدد من المواطنات السعوديات عام 2005 لإرسال خطاب إلى وزير الشؤون البلدية والقروية آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز لاقتراح آلية الترشح والانتخاب والضوابط التي رأين أنها مناسبة آنذاك.
وللأسف الشديد لم تتمكن المرأة السعودية في الدورة الأولى من المشاركة لا كناخبة ولا كمرشحة، حيث سيقت الكثير من الحجج ذات العلاقة بعدم الاستعداد اللوجستي والميداني لاستقبال وتنظيم انتخابات النساء.
إثر ذلك تشكلت ما يُسمى بمبادرة (بلدي) من مجموعة من المواطنات من مختلف مناطق المملكة، واللاتي بذلن كل جهد ممكن لتمكين المرأة السعودية من الاستعداد للمشاركة حين يحين الوقت المناسب، وقد تلقين دعماً كبيراً من عدد من المنظمات المدنية والحقوقية لتوفير الدورات والتدريب وتهيئة المرشحات في المناطق المختلفة وإعدادهن لمواجهة الجمهور والتعريف ببرامجهن الانتخابية والتواصل مع الناخبين إلخ مما تستلزمه الحملات الانتخابية التي لم نتعود عليها في هذا البلد. وتم ذلك كله بمباركة من الجهات الحكومية التي لم تقصر في دعم المرأة السعودية ومساعدتها.
مبادرة (بلدي) كانت ذكية بالطبع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فعن طريق موقعها عملت على التعريف بطبيعة عملها التطوعية والتي تهدف إلى تشجيع المرأة على خوض غمار الانتخابات البلدية كناخبة ومنتخبة، وهو الأمر الذي ساعد على تكوين قيادات محلية في مختلف مناطق المملكة.
بالأمس عشنا جميعاً وفي لقائنا الأحدي الشهري عرساً حقيقياً بالاستماع إلى عدد من المرشحات اللاتي تحدثن عن تجربتهن الوليدة في تنظيم أنفسهن وبناء برامجهن الانتخابية، كالسيدة النشيطة الجوهرة الوابلي عن بريدة، والدكتورة هتون الفاسي والأستاذة الجازي عن منطقة الدرعية، والدكتورة آمال بدر الدين والدكتورة ندي الربيعة والسيدة هيفاء البكر والدكتورة منى الخيال وغيرهن ممن تحدثن عن تجربتهن الوليدة وعما يتصورنه وما يحلمن به لهذا الوطن الجميل كمرشحات عن دوائرهن الانتخابية.
نحن طبعاً نتوقع ألا يستوعب المجتمع في بدايته هذه التجربة الرائدة، ولكن كل الأشياء تبدأ بخطوة وتتبعها خطوات، ولعل تعليم المرأة في المملكة هو الأقوى دليلاً في هذا الشأن حيث وجه بالرفض القاطع عند إدخاله لكن لم تمض سنة واحدة إلا وكل أب قد ذهب بنفسه لتسجيل بناته في المدارس.
الأمر ذاته ربما يحدث مع الانتخابات البلدية الحالية التي بدأ المرشحون يوم الأحد 29 نوفمبر 2015 الإعلان عن حملاتهم الانتخابية. ومما عبرت عنه إحدى المرشحات هو الدهشة من التنظيم الدقيق والعالي المحدد لهذه الانتخابات حتى تضمن أجهزة الدولة الشفافية الكاملة والعدالة مع محاولة الحد ما أمكن من تأثير العوامل العائلية والقبلية أو (الأيدلوجية) في اختيارات الناخبين والناخبات!
سيكون الأمر بالطبع أصعب مما نتصور كتجربة أولى، لكن نحن فخورون جداً بما قدمته حكومتنا الفتية وبمشاركة متساوية للمرأة السعودية مع زميلها الرجل وهي المرأة التي أدهشتنا بكل المقاييس، إذ لن يصدق أحدكم لو عرف أن هناك أكثر من ألف مرشحة ومن كل مناطق المملكة، فكيف حضرن أو عرفن؟ بالطبع هناك تيارات وغيرها تعمل لتحضيرهن ولكن لا بأس: الحكمة هي في دخول التجربة ومعايشة مشكلات ولادتها المتعسرة والتعلم من ذلك للمستقبل حين يزداد الوعي العام بأهمية مشاركة المرأة في هذه المجالس، وهي من يتعايش مع احتياجات المناطق والأحياء أكثر من غيرها.
الجميع يسأل: هل تتوقعن نجاحاً لأي من المرشحات؟ في حقيقة الأمر: ليس الأمر مهمًا بهذه الدرجة ولعلنا ننظر من حولنا لمجتمعات هي أقدم بكثير في التجربة الديمقراطية من مجتمعنا ولا زالت المرأة تعاني كثيراً في الحصول على الأصوات الكافية ولذا ولأنه أصلاً لم يتجاوز عدد من سجلن أسماءهن كناخبات خمس وعشرين ألفاً على مستوى المملكة لذا يجب أن تكون توقعاتنا معقولة. وكم أتمنى على حكومتنا الغالية أن تقف معنا عن طريق تقرير نظام الكوتة، وهو ما يعرف بالتمييز الإيجابي، ويعني إعطاء الأقليات أو الأقل حظًا نسبة محددة سلفًا من المقاعد حتى نضمن أن يتم تعويد المجتمع المحلي على وجودهن. هل يعني هذا التمييز ضد الرجال؟ أبداً فأنا شخصيًا لا يعنيني رجلاً أو امرأة: أنا مع هذا الوطن رجلاً كان أو امرأة وهو ما يدفعني لهذه المطالبة التي ستدعم خبرة المرأة الأولى في الانتخابات البلدية.
صباح الخير أيها الوطن الجميل.