د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** في حين تشكو الأنشطة المنبريةُ الثقافيةُ تضاؤلًا حضوريًّا تشهده ملتقياتها وأمسياتُها ومحاضراتها حتى يكادَ من يسعون إليها غيرَ مدعوين لا يتجاوزون أصابع اليدين؛ فإذا أضيف إليهم الموظفون والمدعوون فإن الرقم سيقف دون الخمسين إلا في حالاتٍ استثنائيةٍ لمتحدثٍ استثنائي وفي موضوعٍ استثنائيٍّ أو افتتاحٍ رسمي؛ فإن المنتديات المختصة بالإعلام الرقمي الموجهة للشباب «تحديدًا»- دون الثلاثين غالبًا - تجدُ زحامًا ملفتًا يبلغ فيه المشاركون آلافًا يعنيهم أن يروا نجومهم في برامج التواصل الرقمي الذائعة وأبرزها: «السناب والإنستغرام واليوتيوب» على وجه التخصيص.
** سبق أن طالب صاحبكم بإعادة النظر في البرامج المنبرية بالرغم من قيمتها المعرفية؛ حيث حضورُها هم خبراؤُها فلا جديد تضيفه إليهم، كما المجاملة والمسايرة تقودانهم إليها، ولو دققنا في أعمار مرتاديها لوجدنا معظمهم كهولًا وشيوخًا يُزجون أوقات فراغهم بما يسمعونه أو يقولونه دون غمطِ إضاءاتهم وإضافاتهم؛ والتركيز - هنا - على الزمن المتبدل بما فيه ومن فيه لا على المحتوى الذي قد نختلف حول الجيد فيه والأجود منه، ولعل انصراف بعض النجوم» الدينيين» إلى هذه الوسائط يوحي بسبقهم «التوظيفي» الواعي بدلالات الغد مع أنهم لم يفقدوا بعد جماهيرهم المنبرية كما فقدها الأدباء والأكاديميون.
** المتغيراتُ كبرى، وتجاهلُها تجاوز منهجي، ورموز الشباب اليوم غيرُ رموز آبائهم؛ لتبقى الوسائط «الكلامية» المعتمدةُ على الكتابة فقط أو الصورة الثابتة وحدها في تراجع لصالح الوسائط التفاعلية والتبادلية التي تجمع الصور الحية بما فيها من حضور شخصي ودلالات مجتمعية، وهو ما تتقنه وسائط «سناب وإنستغرام ويوتيوب» وأخيراً لا آخراً: «بيرسكوب»، وما ستدفع به شركات التقنية بصورة متسارعةٍ تعسُر معها المتابعة، ويستعيد صاحبُكم أستاذه الأميركي «بيرنارد دوج» الذي درَّسنا أكثر من مقرر في مادة «الحاسوب التعليمي والبرمجة» حين قال لنا أول الفصل الدراسي: «إن ما أعلمكم إياه الآن سيكون قديمًا آخر الفصل»، وربما قرأ بعضكم ما سطرته هذه الزاوية تحت عنوان: «ما بعد تويتر والفيسبوك» التي قد تؤذن شموس قادمها بمغيب رغم تزايد الهذر والهدر حتى بلغت تغريدات بني الوطن في «تويتر» نصف مليار تغريدة شهرياً.
** بين القدماء والمجددين ستبقى المعركة حادةً وجادةً، ولن يدين من أفنوا أعمارهم بين الدرس والطِّرس لصغارٍ قدمتهم وسامتُهم وجسارتُهم كي يتابعهم مئات الآلاف وربما الملايين دون أن يكون لديهم ما لدى محققٍ ثبتٍ وعالمٍ عاملٍ ورمزٍ كبير، ولكنه الزمنُ يلدُ ناسَه ولو وأد أنفاسَه، ولا حظوة متوقعةً في غده لذوي المواعظ الناعيةُ والاستشهادات النائية، ومثلما اقتحم بعض «الإسلامويين» هذه الوسائط الجديدة ولم يجدوا ما يغُضُّ من قدرهم فإن المنبريين الثقافويين سيجدون طريقهم إليها دون أن يتباكوا على الجِدِّ المقهور في أوقات الجَدِّ الموفور.
** التطورُ خارطةٌ متبدلة.