د.عبدالرحيم محمود جاموس
في الأسبوع الماضي كان في زيارتنا في الرياض الأخ والصديق الكاتب والباحث المناضل والسياسي الوطني والقومي الأستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد سعدنا بلقائه مع ثلة من الإخوة والأصدقاء، الذين يجمعنا معهم الهم الوطني والقومي، العام والخاص على السواء، وقبل مغادرته الرياض، ووداعه لي، قدم لي إهداءً كريماً، وهو آخر إصدار يخصه، كتابا بعنوان (من مجلدات الحزن العام والحزن الخاص) الصادر مؤخراً في 2015م تحت رقم إيداع (1437/5/2013) في المملكة الأردنية الهاشمية، يقع الكتاب في مئتين وخمس صفحات من الحجم المتوسط، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات الرثائية، يتناول الكاتب في كل واحد منها رثاء موضوعياً لشخصية عامة، أو خاصة، سياسية أو أدبية أو نضالية وطنية أو قومية عاصرها، محلقاً في تاريخ وحياة تلك الشخصية وأبعادها الاجتماعية، والفكرية، والكفاحية، والسياسية المختلفة، وما تركته من أثر أو بصمة في حياتها الخاصة والعامة، يظهر إلى أي مدى كان قد تأثر الكاتب بتلك الشخصية، فيبث جرعات حزنه وتأثره على فراق تلك الشخصية، بعد أن يكون قد حلق في عوالم تلك الشخصيات التي نعاها ورثاها بما تستحق من نعي ورثاء، وتسجيل للمآثر الكفاحية والفكرية والسياسية والاجتماعية لهذه الشخصية أو تلك، التي ارتبط بها بعلاقة مباشرة، أو غير مباشرة من خلال أفعالها وتأثره بها، وبما أن الأستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن، المثقف والمناضل والسياسي والأكاديمي الفلسطيني قد أوفى عقده السابع وبدأ عقده الثامن فيكون قد عاصر الواقع الفلسطيني والعربي، بوعي، ومشاركة فعالة، مؤثراً، ومتأثراً في نصف قرن كامل من الزمن الفلسطيني والعربي، المليء بالأحداث الجسام، والمتغيرات الكبرى في حياة فلسطين والمنطقة العربية، فيجعلك تحلق في أحداث المنطقة، وفي الحراك السياسي والفكري والأدبي والاجتماعي الذي شهدته ومآل تحولاتها، السياسية والاجتماعية والفكرية على مدى نصف قرن، مع جرعات كبيرة من الحزن والألم، على رحيل تلك الشخصيات دون أن تحقق أملها وأهدافها ومشاريعها الخاصة والعامة، والتي كانت قد بذلت لأجلها جهدها وفكرها ونضالها...
من خلال تلك الشخصيات التي عرض لها المؤلف بالرثاء من فترة ستينيات القرن الماضي إلى منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، يكون قد وضع القارئ على هذه الفترة الغنية بالأحداث والتطورات السياسية والاجتماعية والفكرية والأدبية الفلسطينية والعربية إلى حد كبير...
فمن رثاء الرئيس جمال عبد الناصر إلى رثاء الكاتبة والمناضلة الدكتورة رضوى عاشور، ومن رثاء ياسر عرفات إلى رثاء جورج حبش، وغسان كنفاني، وماجد أبو شرار، ووديع حداد إلى سميح القاسم ومحمود درويش، ومن إدوارد سعيد إلى عوني عبد الهادي وبهجت أبو غربية ومن أبي سلمى إلى ناجي العلي إلى إبراهيم جبرا ومن حمد الفرحان إلى رفيق الحريري... ومن أبي جهاد إلى أبي علي مصطفى... وغيرهم العديد من الشخصيات السياسية والكفاحية والأدبية الفلسطينية والعربية، التي كان لها أثر بالغ ومهم في حياة، ونضال، وثقافة شعوبها خاصة والأمة العربية عامة، فالكتاب ليس مجرد رثاء لتلك الشخصيات إنما هو تاريخ كفاح وتطور وتغير هام في حقبة هامة في تاريخ فلسطين والمنطقة العربية، رغم ما يحمله الكتاب من جرعات حزن وألم مؤثرة، ومؤلمة، إلا أنه يعتبر تأريخاً لحقبة مهمة من خلال مرثياته لهذه الشخصيات الهامة التي قدم وعرض ورثى لها، بأسلوب أدبي حزين وشيق وممتع وبديع يأخذ القارئ إلى عوالم تلك الشخصيات المتباينة والمتعددة المناحي، والمآثر الحية والباقية، ليصل القارئ إلى خلاصة أن الموت فعلاً مؤلم، والفراق محزن، ولكنه ليس دائماً نهاية المطاف، بل قد يكون بداية لمرحلة تبعث فيها من جديد، وتغتال فيها لحظة الصمت المرافق للموت، لتبدأ حركة جديدة، تستند إلى ميراث الراحل قبل بدء رحلته الأبدية نحو الخلود، عائداً إلى ملكوت ربه الأخرى راضياً مرضياً، وقد ترك تواصلاً مع الدنيا لمن سيأتي من بعده على الطريق الموصل في نهاية المطاف إلى رحلة الخلود الأبدية، في ملكوت الله في العلا، ورغم جرعات الحزن والألم غير العادي الذي قد ينتاب القارئ إلا أننا ننصح بقراءة هذا السفر الهام الذي سطره المؤلف بإحساس مرهف، وبعين ناقدة وعقل واع للمرحلة ومتفاعل مع أبعادها، ومعرفة دقيقة وحصيفة عن كثب لتلك الشخصيات الفذة، التي تناولها وعرض لها بالرثاء والثناء الذي تستحق.
رحم الله هذه الشخصيات الفذة، وأسكنها فسيح جناته وجزاها الله خير الجزاء، عما قدمته لأمتها، وما تركته من إرث ثقافي ونضالي سياسي واجتماعي تسترشد به الأجيال الشابة.
ولا يفوتنا في هذا المقام الدعاء لكاتب هذه المقالات الرائعة والمجتمعة في هذا السفر، أن يجزيه الله خير الجزاء، وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يمد في عمره، ليواصل مسيرة الكفاح والنضال والإبداع التي بدأها منذ أزيد من خمسة عقود، شكراً لكم صديقي العزيز د. أسعد عبد الرحمن على إهدائكم لي هذا الكتاب الحزين والممتع والرائع في آن واحد.