يوسف المحيميد
حينما انطلق موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قبل ما يقارب سبع سنوات، في البدء كان مصدرا مهما للمعلومة، ثم تحوّل إلى محال للبيع والشراء، ثم دخل تجار «الفلورز»، وباعة المتابعين، وتبعهم الشحاذون، واللصوص، والنبلاء، وأهل الخير والصدقات... وهكذا.
تذكرت كل ذلك، وبدايات «تويتر» حينما زاحم هذا الموقع بتقشف كلماته وتكثيفها، مواقع سائدة آنذاك، مثل «فيس بوك» وكنا مبهورين بهذا الموقع الذي تخترق كلمته الأبواب الموصدة، قبل أن نفقد الثقة في كثير مما يتم تداوله في هذا الموقع، تذكرت ذلك بعد كلمات موجزة ودقيقة للروائي والسيميائي الإيطالي أمبرتو إيكو، قال فيها عن مواقع التواصل الاجتماعي: «تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في الحانات فقط، بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق في الكلام، مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، إنه غزو البلهاء».
كثيرون ممن يعنون باللغة العربية الفصحى، حنقوا على المغردين، وصبوا جام غضبهم على تدميرهم اللغة، وعلى بذاءات بعضهم، وأطلقوا عليهم من معجم لسان العرب الكثير من الألقاب، من قبيل: الدهماء، الغوغاء، السفهاء، الرعاع، العامة... إلى آخره، وهي لا تبتعد كثيراً عن وصف أمبرتو ايكو للعامة، بأنهم مجموعة من الحمقى، وما يفعلونه في «تويتر» و»فيسبوك» هو نوع من غزو البلهاء!
تبادر إلى ذهني سؤال منطقي حول ذلك، فحين نتكلم عن مواطنين برتبة حمقى، كما يصفهم ايكو، كيف نقبل تصويتهم في صناديق الاقتراع، ونرضى بلعبة الديمقراطية، ونؤمن بحقهم في تقرير مصير بلدانهم؟ وهو أمر أكثر أهمية من مجرد تغريدة، لأنهم يختارون رؤساء دول، وأعضاء برلمانات، وما شابه ذلك، فلماذا نستكثر عليهم قول ما يريدون في مواقع التواصل الاجتماعي؟
ربما يقول بعضكم، إنهم في التصويت يختارون فحسب، دونما كلام ولا تبرير، فهم يختارون المرشح رقم واحد، أو المرشح المنافس، بينما في مواقع التواصل الاجتماعي ينكشفون، لأنهم يتكلمون، ويبدون وجهات نظرهم بشكل متكامل، مما يوقعهم في كلمات غير موزونة، مع أن واقع تويتر كشف لنا العكس، من مواهب مدهشة، لم تكن لتظهر لولا مواقع التواصل الاجتماعي!
علينا إذن، أن نعاتب إيكو، وألا تحامل على عامة الناس، فمنهم المبدع، والفنان، والموهوب، تماماً كما بينهم متواضع الموهبة، وسطحي الرؤية، لذلك من الخطأ التعميم، ومن الظلم إدانة هذه الفرصة العظيمة، العادلة، المتوازنة، التي منحت الجميع على حد سواء، الحق والحريّة بكتابة وجهات نظرهم بكل تجرد وبساطة وموضوعية!