جاسر عبدالعزيز الجاسر
يتداول العرب وبالذات أهل المشرق ودول الخليج العربي والجزيرة، مثلاً عربياً يقول: «لا ترحم ولا تخلي رحمة الله تنزل عليهم».. وهكذا هي حكومة المنطقة الخضراء في العراق، فبعد تحرك أبناء محافظة نينوي نحو الحريصين على وحدة العراق وأهله وخاصة سلامة أهل الموصل الذين يحاصرهم تنظيم داعش الإرهابي والذين يصل تعدادهم إلى أكثر من مليوني مواطن يعانون من كل أنواع القهر والتعذيب النفسي والقتل اليومي والحرمان من الحياة الكريمة، فلا غذاء يكفي ولا ماء شرب نظيف، ولهذا فإن أبناء المحافظة تحركوا واستطاعوا حشد تأييد إقليمي ودولي فضلاً عن مشاركة محلية شعبية في خطط تحرير محافظة نينوي من تسلط واحتلال تنظيم داعش الإرهابي.
العراقيون وأهل نينوي بالذات متأكدين مثل كل المسلمين أن لا أحد يستطيع أن يعترض رحمة الله أن تنزل على عباده، وهذا شيء مؤكد، والله في هذه المسألة قادر على تسخير من يشاء من عباده لنصرة أهل نينوي الذين حشدوا ثمانية آلاف مقاتل من أبناء المحافظة، وهم رجال مقاتلون ومتمرسون, ويعرف العراقيون أن ضباط الجيش العراقي السابق من أولى أيام استقلال العراق كان جلهم من أبناء الموصل عاصمة نينوي, وهؤلاء هم من يتواجدون ويقودون ويدربون المتطوعين في معسكرات التدريب التي أقيمت على مقربة من الموصل، وهؤلاء المتطوعون لا ينقصهم سوى المعدات والأسلحة والآليات لمواجهة تسليح تنظيم داعش الإرهابي، ونتيجة لاتصالات وتحركات الرجال الوطنية، والشرفاء من أهل الموصل أمكن تأمين مساعدات من جهات مانحة وبالذات من تركيا ومن إقليم كردستان، حيث أرسلت تركيا مدربين عسكريين وآليات عسكرية بينها مدرعات وناقلات جند ومدفعية ورشاشات وذخيرة، فيما أعلن رئيس إقليم كردستان استعداد «البشمركة» الجيش الرسمي لإقليم كردستان مشاركته في معركة تحرير نينوي، وأعلنت أمريكا تجهيزها قوة مختارة من قوات النخبة للمشاركة في عملية تحرير نينوي وتخليصها من داعش إضافة إلى قيامها الطيران الحربي للتحالف بعمل غطاء جوي لتأمين القوات التي ستقوم بتحرير نينوي وسيكون للطائرات الأمريكية الحربية الدور الرئيسي.
كل هؤلاء وكل هذه القوات سخرها الله لرحمة أبناء نينوي وتخليصهم من سطوة تنظيم إرهابي وحشي لا يقيم للضوابط الإسلامية أي اعتبار ولا للقيم الإنسانية, واكتمال حشد هذه القوات التي ستعتمد على المتطوعين العراقيين وجلهم من أبناء الموصل والذين شكلوا عدة فرق تحت مسمى «الحشد الوطني» لتفريق قواتهم العسكرية عن «الحشد الشعبي» المتهم بالطائفية والتبعية لنظام ملالي إيران.
هذه الاستعدادات التي تبشر بقرب تحرير نينوي، تحاول حكومة المنطقة الخضراء في العراق التأثير عليها بل وحتى عدم اكتمالها من خلال إبداء اعتراض على مشاركة أي قوات إقليمية ودولية وتعني بذلك حسب بيان مكتب رئيس الحكومة حيدر العبادي، رفضها مشاركة قوات أمريكية أو قوات تركية وأنها ترحب فقط بالمشاركة في الغارات الجوية وإرسال أسلحة إلى الجيش العراقي تحت إشراف الحكومة العراقية. وهنا ينطبق الشق الأول من المثل العربي «لا ترحم» فهذه الحكومة التي تطالب بأسلحة ومعدات لم تساهم في أي شيء في الاستعدادات لتحرير نينوي ولم تقدم أي دعم للمتطوعين ورجال العشائر العربية سواء في نينوي أو الأنبار، وعندما اتجه رجال هاتين المحافظتين إلى من سخرهم الله لمساعدتهم تعترض حكومة العبادي التي لم تعترض على مشاركة قوات إيرانية من الحرس الثوري وقيادة جنرالات في صفوف الحشد الشعبي الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، ويقوم بالقيادة الميدانية العميد في الحرس الثوري الإيراني هادي العامري، والذي لا يزال يحمل الجنسية الإيرانية واسمه ضمن قوائم قادة الحرس الثوري الإيراني رغم شغله سابقاً وزارة المواصلات.
الحشد الشعبي يقوده ضباط إيرانيون ويشارك في صفوفه جنود من الحرس الثوري الإيراني ومع هذا لا أحد من حكومة المنطقة الخضراء يعترض عليهم، أما أن تقوم جهات إقليمية ودولية بدعم وتقوية الحشد الوطني، فيعدون ذلك احتلالاً أجنبياً، وكأن احتلال الإيرانيين «احتلال حلال» في حين ينظر لمساعدة الآخرين من غير طينتهم «احتلال حرام».